زارني مشكوراً احد الاصدقاء من الكتاب والوطنيين الشرفاء من محافظة الحلة العزيزة بارضها واهلها، وكان ضيفا عزيزا وغاليا قد حل في بغداد، واصف لقاءه غاية في الروعة لما تضمنه من احاديث وطنيه خصت العراق ارضا وشعبا، محطتنا الاولى كانت من مدينة الاعظمية حيث كان يتناول غداءه مع احد الاصدقاء ومن ثم انتقلنا الى صديقنا صاحب الافكار الوطنية والاعلامية البارزة، ولكن لم يحالفه الحظ ولم يكن بجانبه في العالم الوظيفي ابدا، زرناه في دكانه الصغير ومع استقبال حار كانت الاركيلة بانتظارنا لتتفاعل الأحاديث والاراء وتتصاعد اصواتنا وضحكاتنا مع دخان الاركيلة.
وفي باكورة حديثنا اتفقنا على زيارة الامام ابي حنيفة النعمان ومن ثم زيارة الامام موسى بن جعفر “عليهما السلام”، وفي تجوالنا في مدينة الاعظمية مع زحمة المرور البشرية لما يحتله الباعة المتوجولين من مساحات على الارصفة ليقتاتون منها عيشهم اليومي، وان سبب انتشار هذه الظاهرة هي البطالة التي اخذت في اتساع ملحوظ في السنوات الاخيرة، وتوقفنا عند احدهم وهو يبيع العابا للاطفال وما كان منا الا ان سألناه ما هو تحصيلك الدراسي فأجاب بكلوريوس ادارة اعمال!!، وكان هناك اخرون، اطفال يتسولون او يبيعون العلكة او السكائر وما اكثرهم في شوارعنا ونصادفهم يوميا اثناء توجهنا للعمل والعودة منه او للذهاب الى اي مكان اخر، غادرنا ذلك المكان متألمين، وبعد اتمام زيارة الامام ابي حنيفة النعمان “عليه السلام” التي كانت بسيطة جدا وغير معقدة لسهولة وصول العجلات الى الباب الخارجي وكذلك لم يطلب احد منا ترك هواتفنا او علبة السكائر التي احملها معي تساءلنا عن مدى قبول الامام بالاوضاع التي يعيشها الناس خارجا لو كان على قيد الحياة؟.
اتجهنا نحو الكاظمية تم تفتيشنا من بداية جسر الائمة وكانت هناك حافلات لنقل الزائرين الى اقرب نقطة للامام الكاظم “عليه السلام”، وكأننا ننتقل من مقاطعة الى اخرى او من دولة الى اخرى فأنا عراقي ولكن مطلوب مني ان ابرز هويتي في الاعظمية وفي الكاظمية كما اني مجبر على الخضوع للتفتيش اليدوي منذ بداية دخولي الى مدينة الكاظمية وانا عراقي، وفي نزولي من الحافلة ولبعد المسافة كان فرضا علينا السير على الاقدام لإغلاق المدينة بالحواجز الكونكريتية، وبينما نحن والعالم نسير ارى دخول عجلات مظللة حكومية لمسئوليين في الدولة هم في سياراتهم الفارهة والبقية تسير وتنظر فقط، ورأيت ذلك الكم الهائل من الباعة
المتجولين ومن المتسولين الذين يتوزعون حول ابواب الدخول للمرقد الشريف، هنا تكلمنا عن مدى قبول موسى بن جعفر على حالة مثل هذه لو كان على قيد الحياة.
طلب منا تسليم اجهزة الهواتف والسكائر وتم تفتيشنا ودخلنا متوجهين الى المرافق الصحية لاستخدام الحمامات وللوضوء، عند دخولي لاحد الحمامات وجدت خلف الباب عبارات مكتوبة وكلها كانت بعبارة واحده مع اختلاف الاسماء” عطل بطل سحر فلانه بنت فلانه” وانا اقراء العبارات والاسماء واتذكر كل هذه المسافة التي سلكتها وجميع مناظر البؤس التي رأيتها من باعه متجولين، واطفال متسولين، واناس تسير واخرى بعجلاتها تتفرج ضاحكة عليهم، فما كان مني الا ان انتضيت قلمي وكتبت عبارة “عطل بطل سحر حزب الدعوه والحزب الاسلامي عن العراق” كان هذا ما كتبته على باب المرافق الصحية مع اني ارفض مثل هذه الافكار والممارسات ولكن ليقرأها كل من يدخل عسى ولعل ان يتغير من واقعنا شيئا