23 ديسمبر، 2024 4:06 م

هذا لكل “المتقاعدين” وكل هذا لـ “البرلمان”

هذا لكل “المتقاعدين” وكل هذا لـ “البرلمان”

عنوان هذا المقال منقول بتصرف من بيت الشاعر الخالد بدر شاكر السياب الشهير “هذا لكل اللاجئين وكل هذا لليهود” من قصيدته “قافلة الضياع”. فقانون التقاعد الموحد شابته نواقص واشكالات بدء من اعداده في مطابخ الحكومة ومن ثم البرلمان  تطعن في مبدا المواطنة ذاته. فقد جرى التمييز بين المواطنبن وبخلاف الدستور ليس على اساس مبدأ الخدمة الوظيفية وإنما على وفق الفصل بين نوعين من المواطنين. مواطنون بدرجة مجاهدين هم كل من خرج من الوطن ايام النظام السابق ومواطنون هم موظفو خدمة عامة تحققت لهم امتيازات غير منصفة. بينما فرض القانون على باقي موظفي العراق من الاغلبية الساحقة ان يفرحوا بل ويرقصوا “الهجع” و”عل الوحدة ونص” و”بزخ” لمجرد ان رواتبهم اصبحت 400 الف دينار في قسمة لاتوجد في التاريخ قسمة اكثر “ضيزى” منها.
 كان يمكن النظر الى هذا القانون  بوصفه انجازا هاما لو كان  حقق مبدا العدالة في الرواتب والامتيازات بين من يفترض انهم مواطنون متساوون وفق الدستور. في كل بلدان العالم التي تحترم مواطنيها توجد قوانين اما للتقاعد او الضمان الاجتماعي او الصحي يتساوى فيها الناس لا على طريقة “الكرعة وام الشعر” بل على اسس من العدالة والانصاف والمستوى العلمي والكفاءة. بينما المشرع لهذا القانون لم ينصف موظفي العراق بدء من فراش المدرسة وحتى رئيس الجمهورية على وفق مبدأ الخدمة العامة مع اختلاف الدرجة الوظيفية بل قسمها وفق مفهوم طبقي لاوجود له في اعتى الانظمة الراسمالية والشمولية وما قبل حتى نشوء الدولة الحديثة.
عدم الانصاف يتحدد  ليس في طبيعة الفروقات الطبيعية في سلم الرواتب الوظيفية حيث ليس بوسع احد القول ان راتب الفراش يمكن ان يعادل راتب  رئيس البرلمان او رئيس الوزراء بل حتى المدير العام. لكن المشرع حدد مسبقا الكيفية التي يتوجب على الناس في العراق العيش بموجبها طبقيا واجتماعيا. فالمشرع افتى مسبقا انه يتعين على شريحة كاملة من العراقيين  ان تاكل وتشرب وتنام وتقعد وتروح وتجئ وفق راتب لايقل عن 400 الف دينار شهريا. لكن المشرع نفسه فتحها “على الاخر”  امام صنف اخر من العراقيين حين اقر لهم حقوقا وامتيازات تتيح لهم ان يتحولوا شاءوا ام ابوا اسيادا على ابناء جلدتهم. مع ذلك فان كل هذه المصائب والويلات بـ “صفحة” والتصويت بنعم او لا بـ “بصفحة اخرى”. فالعراقيون لايعلمون على وجه الدقة حتى الان من قال نعم ومن قال لا برغم ان القانون تم التصويت عليه بالاغلبية. وباستثناء عالية نصيف التي اعتذرت عن التصويت وهو اعتذار يحسب لها بالقياس الى صمت زملائها فان محاولات النواب والكتل جمع تواقيع لاسقاط مواد الامتيازات سواء الجهادية منها او الفروق المجحفة في الرواتب بعد التصويت فان مثل هذا التصرف ينم للاسف عن سلوك انتهازي مفضوح لاسيما انه يريد الالتفاف للمرة المليون على ارادة المؤمنين الذين يستعدون في الثلاثين من نيسان القادم ان يلدغوا من ذات الحجر .. ستين مرة.