19 ديسمبر، 2024 1:04 ص

في العالم دولة تدعى (سورينام) ..بلغ عدد سكانها أدنى من مليون نسمة , كانت احدى المستعمرات الهولندية ..وبسبب من انها دولة فقيرة , فقد قذفت بمواطنيها  الى الدولة المستعمرة للتمتع بمميزات الجنسية الهولندية ,حيث انتقل معظم سكان (سورينام ) الى الدولة الاوربية الغنية (هولندا) !

العراقيون  هجروا العراق وضحّوا بلذة مياه (دجلة) و(الفرات) , وتنوع جغرافيته ,والفة العلاقات الحميمية المتحولة الى كراهية ومنافع ومصالح ,ولذلك أسباب كثيرة ,في مقدمتها الحروب الداخلية والخارجية والانقلابات , التي بدأت عسكرية , لتنتهي الى حروب اشعلت أوارها احزاب مدنية ,ركبت الدبابات لتحدث انقلابات , قادت البلاد الى أسوء مصير, يمكن ان ينتظره تجمع بشري تحت غطاء كيان سياسي !

هؤلاء المواطنون العراقيون , لم يأتوا العراق وافدون من جغرافية غير جغرافية العراق ! حتى وان وجدنا بينهم وهو قليل جدا , من تمتد خيوط عرقه الى اعراق اخرى,ك(الترك) او (الفرس) او (الشيشان) وغير ذلك , فقد كانت ارض الله مفتوحة من غير حدود وقيود , قبل دخول المخططات السياسية ذات المصادر والأهاف المختلفة ! وفي المقدمة منها مخططات اليمين الأمريكي وربيبته (اسرائيل) !

تفيد الأرقام ..ان حوالى خمسة ملايين عراقي, يقيمون في مختلف دول العالم الجاذبة للهجرة , ولمّا تزل بعض تلك الدول تنفذ برامجها لإستقطاب مهاجرين من العراق , وفق برامج مختلفة , كالتوطين كما تفعل (الولايات المتحدة الأمريكية ) و(استراليا) و(كندا) ! حيث استوعبت (الولايات المتحدة وحدها 16 عشر الف مهاجر خلال عام 2014.

علينا تسمية الأمور بمسمياتها ..هؤلاء المهاجرون السابقون لم (يهاجروا) ترفا , بل أنهم قد (هربوا ) من ظروف ومتناقضات وأخطار, وصلت حد تهديد حياتهم الشخصية , من قبل حكومات واحزاب وجهات  مختلفة في كافة العهود , وقد تصاعدت موجات هجرتهم حسب شدة ضغط الحكومات المتعاقبة, وفشلها في ادارة مؤسسات الدولة والمجتمع ,وتطوير حياة العراقيين بما يتناسب مع غنى العراق وثرواته الطبيعية والبشرية !

حكام متمتعون بالسلطة وشعب يهرب !

في اعقاب سقوط النظام الملكي عام 1958تركت العراق مئات العائلات ذات الارتباطات العاطفية او العقيدية بالنظام الملكي , المتسم بهوامش (ليبرالية) ,وهم شريحة الطبقة (الأرستقراطية) المتمتعة بالغنى! وبعيد 8 شباط 1963 برزت التناقضات الحادة بين حكام (البعث), والشخصيات العسكرية الطامحة الى النفوذ والسلطة , والتيارات السياسية القومية من جهة, و (الحزب الشيوعي) وتيارات (اليسار) من جهة اخرى , لتعيش البلاد حالات الصراع الدموي المرير التي لازالت ارهاصاته ماثلة لحد اليوم , وعندما أتيح ل(عارف الاول) تولي السلطة ,حتى  توفي في حادث الطائرة السمتية ,فخلفه (عارف الثاني) تمتعت البلاد ببعض الهدوء, فيما نشطت الشخصيات العسكرية المجبرة على التخلي عن السلطة , بفعل التناقضات والانقلابات المتكررة , لتتوجه الى حياكة المؤامرات المتعددة , للوثوب الى السلطة, وهي غير بعيدة عن الأيادي البريطانية والأمريكية , وابرزها انقلاب 17 تموز, الذي  باشر تحالفا بين الشخصيات العسكرية المتذوقة للذائذ السلطة في المراحل السابقة , وحزب (البعث) بأعضاءه ومريديه ,وهم بحدود 500 عنصر! وقد استطاع الحزبيون المنتظمون الإضطلاع باسقاط شركائهم العسكريين, ليتولى (البعث) السلطة ,حتى تحولت تلك السلطة الى القيادة الفردية الكاملة في عام 1979بتولي الرئيس الأسبق صدام حسين رئاسة الحزب والجمهورية , بعد ابعاد الرئيس الأسبق احمد حسن البكر, وتنفيذ خطة تصفية الأجواء ,وذلك من خلال تنفيذ حملة اعدامات طالت ثلث  أعضاء (القيادة القطرية للحزب) , بدعوى اشتراكهم في مؤامرة لتسليم الحكم الى (حافظ الأسد )..لكن الحقيقة كانت تفيد.. أن ما جرى هو تصفية الأمور, لتولي الرئيس الأسبق حسين السلطة التي دامت لمدة 35 عاما ,شهدت خلالها (الحرب العراقية الإيرانية ) , وهي أكبر حروب التأرخ المعاصر حيث دامت لمدة ثماني سنوات , ذهب ضحيتها مليون عراقي وايراني, ناهيك عن ملايين الأرامل واليتامى والمعاقين ! وقد تابعت شخصيا معظم معارك هذه الحرب الضروس محللا ميدانيا, وايقنت من خلالها بشاعة الحرب الناتجة عن السياسة !

في عام 1990غزا العراق (الكويت) , في حركة لم تحسب نتائجها وفق رؤية استراتيجية شاملة  للموقف الدولي والعربي, ثم جرت حرب (الكويت) الدولية , وقوامها 33 دولة بقيادة (الولايات المتحدة الأمريكية ) ضد العراق , حيث هزم الجيش العراقي , ورافقت ذلك مآسي قاسية , ثم  فرض الحصار الإقتصادي على (العراق) من قبل (الأمم المتحدة) , كما فرضت التعويضات الخرافية المبالغ بها, حتى اليوم , وقد أرادها (المنتصرون) عقاب الشعب العراقي البريء من تلك الإرتكابات , وليس النظام السياسي ! وفي ذلك حكاية تفيد أن (العراق) بعد أن ضاق ذرعا باجراءات التحقق من وجود اسلحة (الدمار الشامل) ,الممتدة لسنوات ,دعى الرئيس الأسبق صدام حسين , الأمين العام للأمم المتحدة  ,الى وليمة باذخة  في (القصر الجمهوري), وبعد انتهاء (الوليمة) سأل صدام حسين ضيفه عن رأيه بتلك الوليمة ؟ ..أعرب الضيف عن ذهوله لفخامتها ..عند ذلك قال له صدام حسين ” هل رأيت نحن نأكل هكذا ..ولايهمنا الحصار ؟ بل يهم الأمر الشعب وهو المتضرر “!

وفي نهاية الأمر.. نزلت الصاعقة الكبرى بتنفيذ قوى اليمين الأمريكي المتصهين ,غزو (العراق) واحتلاله واسقاط الدولة العراقية المؤسسة عام 1921 ,وتصفية هياكلها وجيشها ,والاعلان عن بناء دولة جديدة ,واعتماد سبعة فصائل (معارضة) لتولي الحكم في (الدولة الجديدة ), وفق الرؤية الأمريكية القاصرة , وذلك بمعزل عن شريحة واسعة وهم (السنّة العرب) , ليعيش العراق دوامات لاحصر لها من العنف والعجزعن استيعاب متطلبات بناء الدولة المعاصرة !

وليشهد العراق ماشهده حتى اليوم, من تناقضات وتقاطعات حرص الحكام الجدد على تكريسها , لتأمين سلطتهم ومن اهمها التفرد الناجز بالسلطة, واقصاء فئات اصيلة عن المشاركة ,مما ادخل البلاد في صراعات سالت بفعلها دماء العراقيين, وهدرت خلالها ثروات البلاد ,ولاتزال ,وانتعشت في ظل تلك التناقضات والصراعات ارتكابات الفساد الاداري والمالي, و لتدخل البلاد في حروب داخلية , كما يجري اليوم في المنطقة الغربية من العراق !

الهدف من استعراضنا بايجاز شديد ,مؤشرات السنوات الماضية, يرمي الى القول بحقيقة ..ان كل تلك الصراعات والتناقضات, دعت آلاف العائلات العراقية الى الهجرة صوب مختلف بقاع العالم  , بينهم  عائلات ليس لها صلة بالسياسة ,وقد هاجرت لتنشد الأمان والحفاظ على مقتنياتها واموالها ,والحرص على تربية اطفالها في أجواء اجتماعية صحيحة , وعائلات اخرى مؤدلجة  من خلال عقائد وافكار سياسية مختلفة , وقد كان ن بينها عائرت تناصر الشيوعية واخرى قومية عربية وثالثة تمتد بعلاقات قربى او مصاهرة في (ايران) ..كل تلك العائلات كانت مجبرة او مخيرة بفعل الظروف المحيطة على الهجرة ! هربا من ذيول هذه الصراعات والتناقضات , التي ليس للمواطن ذنب فيها , وقد عاقب الحكام العائلات بمواقف بعض عناصرها , حتى درجة القربى الرابعة !

السؤال الهام ..هل سيبقى خمسة ملايين عراقي ,ممن هاجروا بفعل تناقضات وصراعات السنوات الماضية ,خارج حدود العمل الوطني والمهني والحياة داخل العراق ؟ ..فهناك أجيال من الشباب ,اكتملت دراساتهم. وتوفروا على خبرات وطاقات تحتاجها البلاد في التنمية والتطور الإقتصادي والإجتماعي معطلة او مستخدمة من قبل دول الهجرة , من دون استفادة الشعب العراقي منها ! في وقت يتولى مسئولية العمل في مفاصل تخصصية, انصاف التخصصين , ومن بينهم فاشلون, كانت دراساتهم دينية او فقهية, ليس لها علاقة بالعلوم المعاصرة, المؤهلة لقيادة البلاد وبناء اقتصادها !

500 مثقف وصحفي وفنان !

واذا ما سألنا عن سبب هذا الضمور والتدني في المشهد الثقافي والفني والصحفي, سندرك على الفور, ان غالبية الناشطين في هذه المجالات ,هم من حديثي التجربة والممارسة ,في وقت تعطلت الطاقات الفكرية لخبرات ثقافية وصحفية وفنية , تعيش ازمات صعبة , تقيم خارج العراق مفضلة الإبتعاد عن اشكالات الصراعات الدامية ,وهي تمارس التعبيرعن مواهبها ونتاجاتها الأبداعية في ديار الغربة, من دون ان تنسى العراق وشعبه !

عودتهم ..عودة العراق الى ثراءه الفكري !

رباط الفرس ..نحن ندعو من يتسم بالغيرة على العراقيين والعراق. ممن اتيحت او ستتاح لهم فرصة تولي مسئولية ما ,العمل على اصدار قانون( عودة المهجرين ) ,متضمنا الصيغ االموضوعية والقانونية ,لإحاطة العائدين بالأمان ,وتوفير متطلبات الحياة المعيشية لهم ,ومعالجة قضايا دراسات ابناءهم ,واعادة ممتلكاتهم المسروقة والمغتصبة ,من قبل عناصرفي السلطة, وآخرون مدعومون والأهم في كل ذلك , اعتبار قضية عودتهم في اولويات العمل الوطني,من قبل قلة الشرفاء الذين تتاح لهم فرصة تولي المسئوليات العامة ,  فالعراق بلد غني ذي موارد لم يتمتع بها بلد آخر, و(من غير رضا الله بالتأكيد) ان يعيش خمسة ملايين منهم في بلدان الكون, وبعضهم يعيش كما في (الجنة ) الموعودة! ولكن  اعينهم تربو نحو (العراق) وتذرف اعينهم مدرارا, وهم يتأسون للضحايا والدماء المسفوحة, وتعتصر قلوبهم ألما, في مقارناتهم اليومية ,بين اوضاع بلادهم الغنية مع اوضاع بلدان اخرى , تعيش شعوبها حياة كريمة معاصرة ,وهي ليست ذات ثروات كثروات بلادهم ولا تتميز بأرثها الحضاري !

وليعلم هؤلاء الحاكمون اليوم .. ان ملايين العراقيين في الخارج , قد شكلوا في مرحلة الضغط (الدولي) لإسقاط النظام السابق ,عاملا مؤثرا (بغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا مع ذلك الدور ) , في تأجيج فكرة اسقاط النظام ! ومن المؤكد ان الإستمرار في السياسة المتسمة بالغباء, الهادفة الى تجاهل ايجاد الحلول الموضوعية ,لقضية عودة العراقيين المهجرين في الخارج ,سيخلق من دون شك مشكلات كثيرة لأي نظام سياسي , مذكرين بحقيقة ان عودتهم  ,ستكون له ايجابيات مفترضة في تغيير الكثير من التصرفات الإجتماعية  ,التي لم تعد تتناسب مع تصرفات الانسان المعاصر, وسوف تضيف ابعادا موضوعية اجتماعية وسياسية !

ولا أظن ان احدا (ان تجرد من القصديّة ), يتوقع من العراقيين المقيمين في الخارج العائدين الى عراقهم, ان تكون لهم ادوارا سلبية , فقد اسهمت الغربة في زيادة خبراتهم ,وتاصيل صبابتهم وحبهم للعراق , كما نضجت تجاربهم في احترام القانون ,والاستماع للآخر ..وليس لأحد مهما كان موقعه منع العراقيين الأصلاء, المحبين لبلدهم ,والذين لم ينسوه او يبتعدوا بقلوبهم وضمائرهم  وهواجسهم عنه , رغم حياة الكثير منهم المتسمة بالصعوبة والمعاناة ! منعهم من العودة الى بلادهم , ولكن العقبات الأهم توفير الغطاء القانوني لتغطية ظروف حياة معقولة لهم !والتوقف عن تلك (المعزوفات المشروخة ) , التي طاب للبعض تداولها  , مصنفين اولئك المواطنين حسب هواهم وامزجتهم , ومن أسوء ذلك الصاق التهم جزافا, ونعتهم بشتى النعوت السلبية , التي يمكن ان تصل حد تبرير (اعدامهم ) ..فالشعوب دائما بريئة مما يتخذه الحكام من قرارات او ارتكابات, كون الشعب يتلقى ولايسهم بأية قرارات مصيرية ,كالحروب  وقمع المعارضين  وما الى ذلك !

اننا ننتظر ! كما انتظرنا سنوات طويلة , ونحن نطلق افكارنا وألسنتنا من اجل سيادة العراق ,واستكمال مقومات بناء اقتصاده ,وتوفير ظروف ومتطلبات مستقبله, كدولة عصرية مدنية تحترم قيمة الانسان !

انها دعوة للتذكير والعمل , هل تجد لها من يعممها, ويرفع قيمة هدفها القيمي بين فوضى الأفكار والآراء و(الوعود الإنتخابية) التي (ما أنزل الله بها من سلطان) ؟

ورود الكلام …

تذكروا هؤلاء

500 مثقف وصحفي وفنان , يقيمون خارج العراق , ومن بينهم اعلام في الادب والثقافة والفنون و العلوم الإنسانية والصرفة , من مختلف الانحدرات العرقية الدينية والمذهبية والعقائد السياسية خدموا العراق بكل شرف ووفاء , ونذروا عقولهم وعواطفهم من اجل العراق . وسموا بهواجسهم لكي يبقى هاجس العراق وحده خيمة وضمانة .. تضاعفت تجاربهم ونضجت واينعت وهم اليوم كهولا او شيوخا  يحيط بهم  أبناءم المعدون لمهمات بناء العراق .. هؤلاء لن ينهض العراق من دونهم , وهل ينهض من به اعاقة ؟