23 ديسمبر، 2024 7:50 ص

بعد تفشي ظاهرة وباء ” كورونا” في عموم العالم ، وشدة المخاطر التي تحدق في الناس والقلق والاضطراب والفوضى الغير متوقعة في عالم الاقتصاد والسياسة ، والانهيارات الكبيرة في جميع القطاعات من اثر هذا الوباء” او ما يسمى القاتل الخفي، أصدرت الحكومة العراقية كبقية دول العالم ، قرارا بمنع التجوال..! وان من يخالف ذلك فعليه تبعات قانونية قد يمثل بسببها أمام القضاء، ويُعد هذا الإجراء طبيعيًا جدًا للحد من تفشي الوباء او للحد من انتشاره، لكن قرار المنع استثنى اصحاب المهن الصحية والقوات الأمنية بالإضافة الى الصحفيين، وأنا كصحفي يحاول نقل الأحداث ،خاصة وان هناك حراك سياسيا فعالا حول تشكيل حكومة العراق المؤقتة، خرجتُ منذ ساعات الصباح الأولى لأتابع عملي، لكن ما أدهشني خلو الشارع تماما من زائري ذكرى استشهاد الإمام موسى ابن جعفر ع ، سيما وان هذا الحظر تزامن مع ذكرى شهادته.
فكنت استمع لإحدى الإذاعات في مذياع سيارتي وإذا بصوت الحاج ملا باسم الكربلائي يرن مسامعي ( بلطمية) هذا الغريب منين؟ ولا اعرف كيف بلحظة واحدة أخذني ذلك الصوت وتلك الكلمات الى العصر العباسي اللعين والى مقت وقذارة خلفائه، واخص منهم هارون اللارشيد الذي قرر قتل الإمام” ع في مثل هذه الأيام بعد ان سجنه لأكثر من 20 بحسب الروايات. أخذني خلو الشارع الذي طالما كانت اقدام الزائرين تغطيه من أقصى الجنوب الى مدينة الكاظمية المقدسة، الشارع الذي كان مملوء حد التخمة بمواكب المعزين والقائمين على خدمة الزائرين الوافدين للضريح المقدس ، كيف خلى الشارع بهذا الشكل، وهل بات مقدرًا على إمامنا المظلوم هذا ان يكون غريبا بيننا..
ملا باسم يصرخ بأعلى صوته.. هذا الغريب منين..؟ وين أهله راحوا وين..؟ وأنا والبكاء والدموع لنا قصة مع تلك الكلمات العظيمة الخالدة ، حتى كنت اردد بصوت عال،، يا حاج باسم نحن أهله ونحن ابناءه ونحن أحبته ، لم يكن هذا المسجى غريب كما تعتقد في رائعتك ، لكنها الأقدار المميتة حالت بيننا، فرائحة الموت في كل مكان يا حاج والخطر يداهم الجميع ، وهذا لم يكن السبب بعدم السير لذلك الأمام الزكي ، لكنها الظاهرة التي عطلت كل حياة الأرض ومنعت سكان كل العالم من التحرك وأجبرتهم على المكوث في منازلهم وإعلان الحجر التام، هو السبب في ذلك المنع.
يا حاج باسم الكربلائي ، لو ان اجريت مسحا على اكف أيدينا لرأيتها كيف تلطم بكل ما لديها من عشق وتنعى الإمام ع ، ولرأيت اثرا على صدورنا كيف تهشمت وهي تندبه.. تعال معي لازقتنا والشوارع التي يقطنها اتباعه ، تعال معي الى بيتنا لأريك كيف السواد هو اللون السائد على جدران المنازل كلها، واريك الحزن على وجوه نساءنا وكيف صغيراتنا يتسابقن في الجري للحاق ( بالملاية) وهي تنعى الإمام الكاظم ع من بيت الى بيت من زقاق الى زقاق.
تعال معي واستمع الى صوتك التي صار كآذان يهز قلوبنا في كل وقت ونحن نستمع ” لهذا الغريب منين” فيعلو نحيبنا ويرتفع صوتنا بالبكاء عليه حد الصراخ.
هو لم يكن غريبًا كونه احتل كل هذه المساحة من القلوب واستوطن في جميع الأرواح ، وهل لغريب له كل هذه الملايين الزاحفة اليه والباكية عليه بكل هذه الدموع والحسرة.