23 نوفمبر، 2024 12:10 ص
Search
Close this search box.

هذا الحصاد من ذاك البذر

هذا الحصاد من ذاك البذر

كنتيجة حتمية لما عاشه العراقيون خلال الحقب التي مرت عليهم جميعها، باتت أوضاعهم الحياتية مضطربة، لاتكاد تستقر حينا حتى تتدهور أحيانا كثيرة، وماهذا إلا لانعدام المنظومة المؤسساتية الحقيقية التي تتولى حكمهم بشكل منصف وعادل وأمين. فقد أشبع أغلبهم فكره وظنه وحتى عقيدته، بوحدانية القائد وفردية الرئيس، فاختلق “قالبا” وضع فيه مايتمناه من مواصفات وكفاءات ومؤهلات، وشخصن وظيفة الحاكم والرئيس والقائد وحصره بشخصية فلان أو علان، ظانا أو حالما بأنه فارس الأحلام، وهو الذي سيتولى أمره وأمر معيشته ومستقبله، فضلا عن حاضره، فأغدق على هذا الـ “صنم” المصنوع من عسل الأحلام كل المواصفات الحسنة، ملبسا إياه النزاهة والمصداقية والمهنية والأمانة.

هذه “الصنمية” في اختيار القائد بسلم الوظائف الحكومية ليست وليدة اليوم -كما أسلفت- وهذا مالوحظ بشكل جلي بالممارسات الديمقراطية المتمثلة بالانتخابات الثلاثة الماضية، إذ كان السؤال المتكرر على الألسن جميعها هو: “إلمن راح أنتخب؟!” في حين كان الأولى والأكثر جدوى هو السؤال: “مابرنامج فلان؟!” أو: “مامؤهلات علان؟!”. لذا فقد حصد العراقيون جني سؤالهم الأول المحصور بالشخص وليس ببرنامجه وخططه وماسيقدمه للبلد.

أعود الى المؤسسات ودولة المؤسسات.. لو أردنا النظر إليها أو تحقيق وجودها على نحو مصغر، فإن أقرب مثال لنا هو اللجان النيابية الدائمية في مجلس نوابنا، إذ أنها حلقة الوصل التي تربط المواطن، بممثليه في دولته، وهي التي تصطفي الصالح من القرارات والقوانين فتحث النواب ورئيسهم على إقرارها، وبالمقابل فهي -اللجان النيابية- تبعد شبح الطالح من القوانين التي تتنافى مع مصلحة البلاد والعباد، وبهذا تكون اللجان النيابية -مجتمعة- دولة المؤسسات المرجوة التي يتحقق بأدائها ما يصبو اليه الشعب. لكن كما يقول مثلنا؛ “بعيد اللبن عن وجه مرزوك”..! فمنذ عام 2003 “عام السعد”، والحوارات والسجالات في موضوع اللجان النيابية على قدم وساق، من “لدن” رؤساء مجلس النواب الذين تعاقبوا على تولي منصب رئاسته، ولكن..! لسوء حظ العراقيين لم يصل المجلس الى نتيجة مرضية الى اليوم تفي بالغرض المرسوم لهذه اللجان، وهذا الأمر من جملة الأمور التي دفعت العراقيين الى زاوية التظاهر، بل والانتفاض على واقعهم المرير الذي باتوا محصورين فيه بين فكي سوء التشريع ورداءة التنفيذ، علاوة على تهميش حقوقهم واستبعاد النظر في مصالحهم عند إقرار القوانين والقرارات على أيدي اللجان والبرلمان رؤساءً وأعضاءً. فالذي يجري تحت قبب مجالس البلد لايتعدى تقسيم الفوائد والأسهم والأرباح، بعد الجهود المبذولة في إحالة المشاريع والمقاولات الحقيقية منها والوهمية، لترسو في نهاية المطاف في جيوب ممثلي الشعب.. ومنفذي قراراتهم.

ومازال “فايروس” المحاصصة المسرطن يسري في جسد الدولة والحكومة، ومازالت المصالح الفئوية والحزبية هي الركيزة الأثقل التي يتم توزيع المهام والمناصب على ضوئها، ومازال الخلاف على هذه الحيثيات قائما بل في تصاعد يتزامن مع الضغوط التي يتعرض لها رؤساء المجالس الثلاث في البلد، والضغوط هذه عادة ما تفضي الى التسليم للأمر الواقع والاستسلام أمام “الضاغطين” وحينها يكون أقرب قرار الى الرئيس هو “اتباع التوافق السياسي”، وبهذا القرار يوضع المواطن تحت مطارق عدة، فيغدو أمره كما يقول مثلنا: “يخلص من الطاوه تتلگاه النار”، وهنا الطامة الكبرى الثانية -إذا علمنا أن الطامات الكبرى في عراقنا الجديد كثيرة-.

وما تظاهرات المواطنين العارمة التي تجتاح شوارع العاصمة والمحافظات، إلا وليدة التباطؤ والتواطؤ.. والإهمال والإغفال.. ووضع حبل الحساب والعقاب بحق المسيء من المسؤولين على غارب محمل الجد، فكان بهذا التهاون تقهقر حال المواطن في مستلزمات عيشه جميعها، في وقت كان يأمل أن يكون العراق الجديد جديدا في كل شيء.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات