22 ديسمبر، 2024 2:39 م

هدى كاردينيا في فوضى انتظار

هدى كاردينيا في فوضى انتظار

جاءت بالدالة الصُورية بغية الاختصار ولم تترك مجالاً لتأويل الحدث وظفت الأفكار وفق سياق التشبيه الدال فعمدت الى السرد الوصفي المتسلسل
عمدت هدى الى التشبيه لصياغة أبياتها التي بدأتها بكلمة ( نسجت) وهي عملية تشبيه دقيقة لمعاناة وثقتها بالسرد عبر تصوير حكايتها وكأنها أشبه ما تكون بخياطة أو نسيج الرداء، ربما أتت هدى كاردينيا بطريقة تناولت فيها السرد وفق التشبيه لتصل الصورة الشعرية كاملة ، وهي محقة في ذلك ،بل جميل جداً أن ذهبت الى التشبيه لإيصال المعنى ، فقلما تصل الفكرة بطرق مجردة .

أرادت تجسيد الصورة التي تكلمنا عنها في مضمونها الشعري كواقع اعتمدت عليه لبناء هيكل قصيدتها، كما اعتمادها على الدلالة في استخدام الكلمة ، لتعطي تصوراً ملموساً عبر الوصف،واستخدمت الموصوف كجواب كي لا تترك فراغاً يشكل هبوطاً في المعنى العام للقصيدة، وهنا تكون اقرب لاستخدام البدائل وتركيب الصور الذهنية لتكتمل لدى المتلقي ، دون أن تذهب بعيداً لإيراد معاني دالة.

اختصرت هدى الكثير من الأمور في أبياتها حين جاءت بالدالة الصُورية ، وتعاملت بالمباشر تماما في وصفها لما احتوته النفس ، ولم تترك مجالاً للتأويل فجاء وصفها على غرار ما استخدمت من قياسات جسم الإنسان كلغة تعبيرية عن الحدث بالسرد الوصفي.

وما ذهبت إليه هدى ليس بالجديد في عالم الشعر أو الأدب ، فكلاهما من الأجناس الأدبية الدالة على جذور العمل الفني بشكل عام ، وهذه الأعمال لا تأخذ طابعا معينا ثابتاً في أشكالها ، بل هي متغيرة وحسب رؤية وتصور من يكتب أو رؤية الأديب أو الشاعر ، وهنا تدخل المدارس الأدبية والشعرية لتترك انطباعها على الشاعر أو الأديب أو صاحب العمل الفني، وما يتمخض عنها وفق أصول المدرسة الفنية ، وملكة الشاعر أو الفنان.

صورت هدى وبصورة دقيقة ما يعتري النفس الإنسانية من فوضى المشاعر حين يطول الانتظار لشيء أو قضية معينة ، وما تنتابه من أحاسيس تخالج تلك النفس بين التحرر من قيد الانتظار وبين الالتزام الذي تفرضه الأخلاق كمبدأ، وهنا داخلت هدى بين الواقعية وبين الخيال في الوصف ، وذهبت لتكمل عملية السرد التي اعتمدتها على أساس المَثل والدلالة لتشكل هيكلية قصيدتها وفق البناء الفكري الذي يترتب على مثل تلك الحالات وما يشعر به الإنسان حينها ، وبأدق التفاصيل تكررت مشاهد المقارنة بين عملية الانتظار المقصودة وبين قياسات الجسم عند تفصيل ثوب جديد ، هو أملا جديد ربما عند هدى أو حتى عند القارىء ، حين أنهت القصيدة بكلمة ( ركضت عائدة، علي استنشق).

(فوضى انتظار)

نسجت من خيوط ألتوق ..رداءاٌ

ارتديته ، فاختنق الحلم و ضاق وحدةٌ و انتظاراٌ ؛عند الصدر

و اتسع غربةٌ وحنينٌا ؛عند الخصر

فأنّ القلب وتوجّع وخشن النسيج

فلهثت الأنفاس ، وتواثبت الروح للإنعتاق

فركضت عائدة الى حيث كان اللقاء

عليّ أستنشق بقايا أنفاسك و تسعفني بها ثنايا الطرقات

آه وآه وآه

في داخلي فوضى مشاعر ، غربة ، وإعصار

وظفت هدى كاردينيا الأفكار في قصيدتها وفق سياق التشبيه الدال ، فجاء نصها مكتملاً متماشيا مع السياق العام للقصيدة ، واعتمدت البناء الحد اثوي المتضمن الانفعالات النفسية بمضمونها الجوهري بعيدا عن الشكلية ، فجاءت جملها تحمل دلالة المعنى المطلوب لصياغة الفكرة التي داخلت فيها الانفعالي الوجداني ، مما جعل نصها يحمل البنائية السردية بمنظور انفعالي وصفي قسم القصيدة الى مراحل تبرز عملية التشويق عبر الكلمات التي صاغت منها مفهومها السردي ، وهو ما منح كاردينيا إمكانية التوجه لتحليل النص وجمعه وفق صورة ما كتبت لتعززه بعناصر ومكونات السر الواقعي.

جاء نص هدى كاردينيا ( فوضى انتظار) مدعماً بوحدة النص التي عبرت من خلالها عن الشخوص والأحداث بكلمات قليلة دالة ، مما عزز من تلك الوحدة ، ولم تلجأ الى التزويق والحشو ، فأعطى ذلك نصها موسيقاه الثابتة التي شكلت رتم متوحد أيضا من بداية قصيدتها حتى أخر كلمة فيها، أرادت هدى لقصيدتها أن تكون تعبيرا عن حركية النفس البشرية ساعة التأثر بقوانين الانتظار التي يفرضها الموقف، وتحكمها إرهاصات تقلب المزاج بتقلب الحالة الوجدانية التي كتبت فيها ، والتي أظهرت مدى دقة تعبيرها عن الانفعالات العاطفية ، والخلجات النفسية الدالة على الحالة.

البنائية التي غلفت هدى مكونات نصها بأثرها عكست حالة التشويق العاطفي الذي استخدمته ، والذي اظهر الانفعالات الوجدانية ، وهذه من أهم مبادئ تحليل النص حسب المراحل التسلسلية التي كتبت فيها نصها ( فوضى انتظار) ، ولم تهمل السرد الذي وظف من قبلها بصورة متقنة عالجت فيه تفاصيل الحدث ، وأبرزت جوانبه التي قد تخفى على المتلقي إن هو أراد تتبع تلك التفاصيل.

أرادت هدى كاردينيا لقصيدتها أن تحكي قصة انتظار مضني ، لذلك عمدت الى السرد الوصفي المتسلسل بصورة منتظمة ، مما استدعى بالضرورة استخدام كل عناصر وأدوات السر وأولها توظيفها للغة بصورة سليمة ن ثم تسلسل القصة وفق ما أرادت ، ثم أتت على اختلاف أشكال الصور التي جسدت فيها ذلك الانتظار ن ولم تغفل نتائج ما يترتب على صور ذلك الانتظار من إرهاصات ، كما عمدت الى تبدل الصور لتجسد التغير الحاصل في الحالة بطرق مختلفة تبعد الروتين والرتابة عن قصة الحدث التي ضمنتها ( القصيدة)ن وهذه العملية هي لب السرد وجوهره التي أبدعت فيها هدى ، لتتحفنا بقصيدة رائعة وجميلة.

كم سكنَني طيفك الفارع ؛ كأشجار نخيل باسقات

و احتضنني لهفة كاحتضان الشواطئ للأنهار

كم لبثت قابعة تحت أمطار وعواصف و رمال

سكنت القلب ، أوجعته ،لكنه أدمن الانتظار

أنا ما تخلّيت عن حلمي ، غير إن جسدي لكثرة توقي لرؤياك ، قد إنهار

ساترك ظلي يتربّص حضورك

كأم أغمضت عيناً وتركت أخرى ترعى صغيرها و تسهر

هدى كاردينيا أديبة عراقية من جيل الشباب شاعرة وتكتب القصة القصيرة وهي عضو بجمعية المترجمين العراقيين أيضا ، حاصلة على بكالوريوس آداب ترجمة ، لها قصائد عدة منها: حييت سفحك نلم قصيدتي أبوذية ، ذات العقال ، تخوم الذكريات ، تأشيرة سفر لأحلامي ، بإمكانك ألا تخسر وغيرها.