16 سبتمبر، 2024 9:49 م
Search
Close this search box.

(هدى النيران) تشعل شوارع اليمن بحبها

(هدى النيران) تشعل شوارع اليمن بحبها

هدى النيران شابة سعودية أغرمت بشاب يمني الجنسية يعمل بائعا في احد الاسواق في السعودية، دفعها حبها الى التسلل عبر الحدود بين السعودية واليمن للزواج من حبيبها. قصة جميلة قد تبدو نادرة الحدوث في زمننا الذي فقد الحب فيه جواز السفر وماعاد قضية تستحق المخاطرة خصوصا من شابة تعيش في مجتمع محافظ مثل السعودية. وحتى ان بدت القصة خيالية او غريبة، فإن الأغرب هو ماحدث لهدى بعد ذلك، حيث ألقت السلطات اليمينة القبض عليها بتهمة التسلل الغير مشروع عبر الحدود وهي حبيسة السجون اليمنية بانتظار عرضها على المحاكم وترحيلها الى بلدها، رغم انها قدمت طلبا للجوء الانساني في اليمن.
أما ماهو ملفت للنظر في الموضوع وماأثار إعجابي فعلا، فهو موقف الشارع اليمني الذي شهد نزول عدد غفير من الشباب وغير الشباب تضامنا مع هدى واستنكارا لموقف الحكومة اليمنية، وقد حملوا لافتات تتحدث عن حق الانسان في الحب والحرية وعن اضطهاد الحكومات للحب.
ربما لو حدث ماحدث في دولة أوربية لكان أقرب للتصديق، لكن أن يحدث هذا في دولة عربية وخصوصا اليمن، المعروفة بكونها تضم مجتمعا محافظا مازالت معظم نساءه ترتدي النقاب، وترغم فيه الفتيات على الزواج في اعمار صغيرة جدا، فهذا مايبدو حقا غريبا وفي نفس الوقت يبعث على الفرح. فقد شهدت شوارع البلدان العربية في السنوات الأخيرة ثورات وتظاهرات الربيع او الخريف العربي ومعظمها تضم في جوهرها نزعات تطرف او رفض للتطرف. واليمن كغيرها من الدول شهدت اسقاط حكومة ومازالت تشهد الكثير من المشاكل السياسية، فهل ستغير قضية هدى النيران خارطة الثورات العربية؟ وكم ستكون الحياة رقيقة لو ان الشباب ثاروا فعلا من أجل قضايا الحب؟
سيقول البعض منكم، أليس لدينا مايكفينا من المشاكل، أمطار وهزات أرضية وإنتخابية على الأبواب، فتن طائفية تشتعل في هذه المحافظة وذلك الحي، تهجير، قتل، وطن يباع (عيني عينك) على أيدي ساسته. نعم، لدينا كل ذاك وأكثر، ولدى الشعوب العربية مالايقل عنه، لكننا وسط كل هذه الفوضى والجنون، نسينا إننا بشر وان السنوات تمضي مسرعة دون أن تجد الوقت لرفع يدها مودعة، وإن كل الأشياء قابلة للاصلاح، ألأوضاع السياسية، المنشآت، الشوارع، المجاري، إلا الروح التي إن تصدعت فانها تعلن موتا (إنسانيا) للانسان، فلا يتبقى منه الا جسد يحصي دقائق عمره هموما ويغفو ليله على وسادة القلق.
أنحني احتراما لهدى النيران وأتمنى لو كنت أستطيع مساندتها في قضيتها الإنسانية هذه، وأتساءل إن كا ن بعض الرجال، في بلدي، على الأقل، يمتلكون شجاعة وجرأة هدى ليجعلوا من الحب قضيتهم عندما تنبض قلوبهم به. وماذا لو أدرك رجالنا ونساءنا إن الحب، بحد ذاته، قضية تستحق النضال لأنه المفتاح للسعادة والسلام؟ فعندما يكون الانسان سعيدا فإنه سيكون منتجا ومبدعا، متوازنا وخاليا من الأمراض النفسية التي استفحلت في قلوب وعقول اغلب من حولنا في هذا الزمن المبرمج.
ربما سيتهمني البعض بأني أشجع الفتيات على الانحلال والهروب من أهاليهن بحثا عن الحب، لا ياسادة، لا أقصد ذلك، فان تكن هدى قد أخطأت أو جلبت العار لأهلها بنظر المجتمع، فذلك لأنها ولدت في مجتمع لايعير للحب أهمية، وإنه قد يثور من أجل أي شئ الا الانسان.
ماذا فكرت هدى وهي تعبر الحدود متسللة؟ أيضا، لانعلم، لكنها ربما فكرت ان الحياة بحد ذاتها ثورة، ومضة، فكرة، اختيار، وحي ينزل ليغير حياة الانسان الى نبي، وان الحب الحقيقي هو حالة الهام قد تعيد تشكيل حياة الانسان في لحظة اختيار ينتصر فيها قانون الانسانية على الخوف والجبن والروتين والتراجع والقبول بحياة تقليدية يتشابه فيها جميع الناس بفعالياتهم الحيوية وربما حتى بوجوههم التي أصبح معظمها متحجرا. فأي حب هذا الذي غير بوصلة تأريخ هدى، وهل هناك بين الرجال قبل النساء من يمتلك (قلب رجل) كقلب هدى؟
تساءلت، كما قد يفعل غيري، فيما إذا كان حبيب هدى يستحق هذه المجازفة؟ وماذا ان جرى ترحيل هدى الى بلدها، فكيف ستواجه أهلها، وأي عقاب ينتظرها، وماذا سيكون دور الحبيب؟ أسئلة أشبه بتلك التي تدور في مسلسل تلفزيوني لانعرف بقية حلقاته، كل مانعرفه عنه، إن هدى أشعلت النيران في قلوب اليمنيين فنزلوا لمؤازرتها في الشوارع؟ فهل سينتصر الحب في النهاية كما هو الحال في المسلسلات والأفلام، أم سيظل خطيئة تحملها هدى، ويخشى الجميع حتى مجرد التفكير فيه؟ .

أحدث المقالات