23 ديسمبر، 2024 6:48 ص

بنت الولايات المتحدة قوتها ونفوذها في العالم على أساس قوتها الاقتصادية والعسكرية ، والتي مكنتها من أن تكون أقوى اقتصاد في العالم ، وعلى الرغم من هذه القوة إلا أنها لم تستطع دخول أي حرباً في أي اتجاه ما لم تشكّل تحالفاً أو تكتلاً دولياً معها ، والأسباب التي تقف وراء ذلك كثيرة وفي مقدمتها ضرورة تهيئة رأي عام عالمي داعم لموقفها السياسي والعسكري من جانب ، وتقليل نفقات أي تدخل من جانب آخر ، والهدف هو اكتساب قوة عادية ومعنوية بشرط التحالف مع الجهة الأقوى ، وهي الغاية في أي تحالف .

لقد أسهمت الولايات المتحدة بعد عام 2003 ودخولها العراق إلى أضعاف الدولة وعلى كافة المستويات ، خصوصاً في الجانب الأمني والعسكري وحتى عندما سقطت مدن العراق بيد داعش لم تحرك ساكناً إزاء أي إرهاب تمارسه عصابات تنظيم داعش الإرهابي وما قبلها من تنظيمات إرهابية قتلت الأبرياء العزل ، زد على ذلك أنهم تسببوا بفتح حدود العراق على مصراعيها للإرهابيين الذين قدموا من كل بقاع الأرض، ونكتشف أن الإرهاب صناعة غربية خالصة، وكان الجميع يعتقد أن نزيف الدم العراقي سوف يتوقف مع عقد الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة ، ولكن تبين إنها اتفاقية مشبوهة، وأنها مصيدة الغرض منها، جعل أرض العراق، مرتع لفلول الإرهاب العالمي، ومكان لتصفية حسابات أمريكا، مع دول عديدة، تتقاطع معها في الأفكار والرؤى.

الأمر المفاجأ للولايات المتحدة هو موقف المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف من أي إجراء تتخذه الإدارة الأمريكية في العراق ، وآخرها فتوى الجهاد الكفائي ، الذي قطع الآمال نهائياً بسيطرة الإرهاب على البلاد ، ومحاول تقسيمه طائفياً وعرقياً ، الأمر الذي جعل واشنطن تتسارع في موقفها وتتدارك هذا الموقف عبر تشكيلها للتحالف الدولي المزعوم ، والذي كان يفترض أن يكون داعماً وحامياً لمصالح العراق السياسية والاقتصادية ، ولكن تبين فيما بعد أنها مجرد يافطات عريضة لإغراض خطيرة المراد منها حماية العصابات الإرهابية في المنطقة ، وتأمين حركتها فيها ، لهذا فان إن ما يعانيه العراق اليوم من أزمات سياسية واقتصادية من تراجع السيادة العراقية والغياب الفعلي لمبدأ الفصل بين السلطات وتفشي الفساد الإداري والمالي كان بالطبع نتيجة حتمية للسياسة الأمريكية الفاشلة التي تستغلها إيران لتوسيع نفوذها ليس فقط في العراق بل في المنطقة بأكملها ، وهذا لا يعني ذلك بالضرورة أن الولايات المتحدة هي المسؤولة من جانب واحد عن تطوير العلاقة بينها وبين والعراق، لكن يجب على العراق، من جانبه، أن يعمل على الحفاظ على استقلالية قراره السياسي والاقتصادي ، وعدم الاعتماد على مواقف الإدارة الأمريكية بغض النظر عن المؤشرات السوقية والصراعات الإقليمية ، لهذا فإن تعزيز الشراكة العراقية -الأمريكية لن يتحقق فقط من خلال الاستثمار الأميركي في العراق، بل من خلال التعاون المشترك الذي سيؤدي في النهاية إلى تحقيق فوائد اقتصادية وإستراتيجية لكلا البلدين.