23 ديسمبر، 2024 4:14 م

هجرة الشباب السوريين والعراقيين – ما لها وما عليها

هجرة الشباب السوريين والعراقيين – ما لها وما عليها

مر علي لحد الان أربعة قرون عملت خلالها في بريطانيا كأستاذ في كلياتها الهندسية ولم آتي الى بريطانيا كلاجئ بل لدراسة الدكتوراه وارغمتني ظروف الحرب العراقية الإيرانية واضطهاد كحم صدام البعثي الدموي على عدم العودة، لذا سأحاول ان ادلو بدلوي في مناقشة ظاهرة الهجرة الحالية مركزا بشكل خاص على هجرة شبابنا العراقيين اذ ان ظروف هجرة الشباب السوري لها ظروف ومسببات مختلفة نسبيا عن هجرة العراقيين.

اود ان أؤكد أولا وقبل كل شيء على حق كل انسان في الحياة الآمنة الكريمة والمستقرة مهما كان انتماؤه الديني والمذهبي والقومي خاصة وانه ليس بوسع المرء ان يختار مكان ميلاده او قوميته او دينه وان هجرة العرقيين ليست بظاهرة جديدة اذ سبقتها هجرة مليونيه بعد انتفاضة عام 1991 والحصار الجائر الذي تعرض له العراق بعد كارثة احتلال الكويت وكانت تلك الهجرة لأسباب اقتصادية بالأساس وهربا من الجوع ومصاعب الحياة التي دمرت نسيج المجتمع العراقي وكانت بداية تغير سلوكيات الفرد اذ انتشرت ظواهر الكذب والاحتيال والرشوة والتزوير وهي ظواهر مرضية تكرست بشكل اكبر بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003.

لقد كان موقف الدول الاوربية من قصية اللاجئين متفاوتا بين الموقف الإنساني النبيل (مهما كانت دوافعه) كموقف المانيا الاتحادية بشعبها وحكومتها والغالبية العظمى من احزابها السياسية وبين الموقف العنصري المعادي بشكل لا انساني لبعض دول اوروبا الشرقية وخاصة هنغاريا والمهم التأكيد وكما تشير اليه أيضا منظمات الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني في ان هذه الموجات البشرية القادمة الى اوروبا هم لاجئين هاربين من جحيم الحرب والقتل والإرهاب والسبي والتشريد وهم ليسوا مهاجرين باحثين عن تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعاشية (رغم ان ذلك قد يكون تحصيل حاصل) أي انهم لاجئون تنطبق عليهم معايير اللجوء الإنساني والسياسي وقد كشف الموقف الأوروبي الإنساني فشل وخوار مواقف الدول الإسلامية والعربية وخاصة الغنية منها وضعف بل حتى غياب الشعور الإنساني عندهم.

يوجد ما يقارب ثلاثة ونصف الى أربعة ملايين عراقي خارج الوطن ينتشرون في شتى بقاع المعمورة وهاجر اغلبهم منذ حوالي ربع قرن ولذا نشأ في الخارج جيل جديد من الشباب إضافة لعوائلهم واكمل مئات الالاف مهم تحصيلهم العلمي ويعملون في شتى الاختصاصات واكتسب العاملين من ابائهم وامهاتهم خبرة عملية طورت كفاءاتهم التي حرم العراق منها وخابت امال معظمهم المتطلعين ليوم الخلاص من الحكم الدكتاتوري البعثي السابق ليفاجئوا بحكم المحاصصة والطائفية التي خلقت أجواء طاردة للكفاءات بدلا من استقطابها ، أجواء النهب والفساد وتزوير الشهادات وانعدام الامن وتدمير قطاعي الصناعة والزراعة وتحويل العراق الى بلد ريعي يعتمد أولا وأخيرا على مبيعات النفط الخام التي أدخلت للعراق اكثر من الف مليار دولار نهبت وسرقت بدون رقابة او محاسبة ووفق قوانين شرعنه الفساد بمنح الحاكمين الحرامية رواتب خيالية لهم ولأقاربهم وحماياتهم .

ان غياب الصناعة والزراعة أدى الى وجود ملايين العاطلين عن العمل والشباب الفاقدين الثقة بإمكانية توفر عيش لائق حتى بالنسبة لخريجي الكليات الا عبر الرشوة والمحسوبية هذا بالإضافة للبطالة المقنعة حيث لا يتجاوز معدل العمل اليومي لمعظم موظفي الدولة ساعة واحدة

رغم ان واقع العراق منذ 2003 يؤكد حقيقة تدمير المؤسسات وافراغها من اية هيكلية علمية ووجودها بالاسم فقط إضافة الى وجود حكومة المحاصصة الطائفية التي أدت الى ضياع ثلث البلد الذي اصبح تحت رحمة داعش وتشريد الملايين ولا تبدو لحد الان بوادر اصلاح حقيقية في برامج رئيس الوزراء الحالي رغم ان إزاحة أبو ماننطيها انجاز لا يستهان به وان اية خطوات جدية في اصلاح القضاء ومحاكمة الفاسدين من الحيتان الكبيرة ومحاربة الفساد والبد بعملية إعادة بناء العراق لا تبدو ممكنة الا بحكومة جديد كفؤة بعيدة عن رؤوس الفساد المعشعشة في التشكيلة الحالية وتسير بطريق إقامة دولة مدنية ديمقراطية تضمن تطبيق الفصل الحقيقي بين السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية وأتمنى ان يتحقق ذلك بفضل المظاهرات التي تعم غالبية المحافظات الغير محتلة من داعش وقد يعطي ذلك بصيص امل للشباب تحد من الهجرة المتصاعدة حاليا .

ان هناك مخاطر حقيقية أخرى تتمثل بخطر التقسيم الذي تسعى له اجندات خارجية في مقدمتها المشروع الأمريكي القديم الجديد والذي قد يتوافق مع أطماع جهات إقليمية متحفزة لتفتيت العراق وتحويله الى كانتونات متناحرة في حرب أهلية قد تستمر لسنوات طويلة قادمة ولايبدو ان الذين بيدهم مقاليد السلطة يدركون حقيقة هذه المخاطر فهم في واد والشعب في واد اخر ورغم المظاهرات التي دخلت اسبوعها السابع وطابعها السلمي نجد تجاهلا لمطالبها بالرغم حتى من دعم المرجعية ومطالبتها الحكومة بالاستجابة للمطاليب الشعبية ولكن ما حصل لحد الان من بعض الإجراءات الغير جوهرية نجد أصوات الشركاء في العملية السياسية المتعفنة قد بدأت ترتفع بالاعتراض والاحتجاج .

ان هجرة الملايين من الوطن قبل ربع قرن قد تركت اثار سلبية كبيرة ظهرت واضحة بعد الاحتلال الأمريكي لعام 2003 حيث افتقد البلد الالاف من الكفاءات والخبرات التي كان بامس الحاجة اليها سواء المهندسين او الاكاديميين او الأطباء او الفنانين او الادباء او الشعراء او العلماء ، وها نحن اليوم نواجه ظاهرة الهجرة الجديدة بعشرات الالاف من الشياب الخريجين العاطلين والذين يحتاجهم البلد لإعادة البناء الا ان فشل الحكم الحالي طوال اثنتي عشر عاما عن توفير الامن والعيش الكريم لهم إضافة لفقدان الامن والخدمات سيسبب دمارا مستقبليا تصعب معالجته بعد فوات الأوان ، لذا فان الحكام الحاليين السراق الفاسدين يتحملون أولا وأخيرا مسؤولية تدمير البلد حاضرا ومستقبلا.