تألمتُ جداً للحادث المؤسف الذي تعرضت له الصحفية العراقية النشيطة والمشاكسة هايدة العامري، حيث تعرضت مؤخراً لإطلاق عيارات نارية عليها في شارع السعدون (قرب كهرمانة)، والحمد لله الذي سلم الأخت هايدة من الحادث الاجرامي، وكنتُ قد كتبت لها معلقا في صفحتها على الفيسبوك، محذراً لها بعد سلسلة مقالاتها المثيرة للجدل في موقع “كتابات”، بكشف الفساد والفاسدين، وحذرتها من انتقام هؤلاء، لانها فضحت ملفاتهم وكشفت عوراتهم. لست مدافعاً عن هايدة، فهي الأقدر على الدفاع عن نفسها خاصة وأنها تعلن في كل مرة أنها مستعدة للمثول أمام القضاء إن أراد أحدهم الشكوى ضدها وإنها تتكلم بلغة الوثائق والمستندات وليس كلام المسموعات والتهيؤات.
فمن هي هايدة العامري؟
هايدة العامري تمتد معرفتي بالمرحوم والدها وبإخوانها أصدقائي وجيراني في منطقة العطيفية الأولى منذ عدة عقود، هذه المحلة البغدادية الهادئة المتميزة بنوعية العائلات التي سكنتها وحالة التكافل الاجتماعي والتضامن واحترام الجيرة التي تميزت بها بيوتات وعوائل وساكني هذه المحلة البغدادية الهادئة التي يحدها نهر دجلة وكورنيش العطيفية من جهة الشرق، وجسر الصرافية الحديدي (جسر القطار!) من الشمال وبساتين آل الطعمة من الشرق.. وكانت بساتين النخيل هذه التي تزرع بين نخيلها الخضراوات من كرفس وريحان وكرفس وكراث تطلق روائح تلك الخضراوات كانها العطر الصباحي…فاضفى الجو الطبيعي عليها روعة على اجوائها السكنية.. نشأت هايدة في محلة تميزت بالتآلف والتكاتف الاجتماعي وكانما الجميع عائلة واحدة..متحابين متآلفين شيعة وسنة عربا وكردا وتركمان.. كانت الناس على بساطتها يعيش الغني بجانب الفقير وبجانب الموظف والكاسب لافرق بين الجميع، كانت البيوت ابوابها مفتوحه للجبران وكان الجميع متحابين.. سكنها وزراء وقادة عسكريون وقضاة وضباط جيش وشرطة وتجار.. سكنها اغنى اغنياء بغداد عيسى ابو الطحين وبالقرب منه فقير مثل ابراهيم كوخ وابراهيم اليتيم.. ومعلم ابتدائية ومدرس ثانوي وموظف بريد..محلة احتوت وزراء مشهورين منهم الوزير الفاضل المرحوم الدكتور احمد عبدالستار الجواري الذي كان يحرص على ان لايفوت وقتا من اوقات الصلاة في جامع المدلل الجامع الوحيد بالمنطقة الذي كنا نصلي فيه سنة وشيعة كان المرحوم احمد الجواري يذهب الى الجامع يصلي مع الناس وهو مرتديا دشداشته البيضاء او البازة .. هكذا الحياة البسيطة والاخلاق العالية لرجال المنطقة وشبابها فلم يحصل ان تحرش احدهم بفتاة من المنطقة او داس على طرف لها.. سكنها حماد شهاب وقبله سكنها طالب شبيب الذي كانت تعقد في بيته اجتماعات التحضير لانقلاب 8 شباط.. كما سكنها عبدالحسين المشهدي، ورئيس الادعاء العام والاستاذ الجامعي عبدالامير العكيلي والقاضي محيي السعدي وعلاء النواب وبيوتات شهيرة من عوائل السوامرة والمشاهدة والراويين والدوريين وآل ميرزة وآل الطعمة وبيت الكرادي و.. و.. و.. و..غيرهم.
هايدة العامري نشات في هذه الاجواء السليمة، كانت من عائلة محافظة ومتمكنة مادياً، فوالدها من التجار المشهورين وصاحب نعمة ويمتلك عدة دور، وعقارات، وكانت سيارتهم تستبدل كل عام، ومرة جاءوا له بسيارة شوفر من احدث الموديلات وبلون ذهبي من امريكا خصيصا له.. والدها من الشيوخ المعروفين وكانوا يمضون الصيف بالسفرات السياحية الى لبنان حيث عندهم سكن هناك، او الى اوروبا..
هايدة بنت الاصول كما احب دائما ان اطلق عليها، فوالدها من التجار المعروفين، وهي بنت نعمة، اتذكر مقولة المرحوم والد هايدة لابنائه وبناته (انا تركت لكم خيراً يُعيّشكم عيشة ملوك، وعفت لكم سمعة ذهب تحلف بيها الناس!!).. رحمك الله ياحاج سلمان أبا داود وخيري.. فقد صرف على عائلته واولاده وبناته ولم يقصر معهم، فقد رباهم احسن تربية، وجعلهم ياخذون شهادات محترمة، ويتبوأون احسن المراتب والمراكز، كان متواضعا يحب الفقراء ويحسن اليهم دون ان يُحرجهم.. هكذا عشنا في العطيفية، هكذا تربت ونشأت الاخت هايدة العامري..لذلك لاغرابة ان تتبوأ هذه السمعة في الاعلام وتسلك طريق التميز والألتزام إنطلاقا من تربيتها العائلية التي ترفض الغلط والظلم والانحراف.
هايدة العامري بنت الاصول لايمكن ان تغريها مغريات المال لانها تربّت على الصح، واجتناب الغلط.. تربّت على قولة الحق وعدم الخوف من الظالمين.. تربت على مخافة الله وحده.. لذلك حماها وسيحميها الله .. ولا أظنها تتراجع عن طريقها الذي سلكته.
تحية لابنة محلتي وجارة ايام الطفولة والشباب (بنت الاصول والنعمة) هايدة العامري…