19 سبتمبر، 2024 7:39 م
Search
Close this search box.

هانيبال المصلوب ووئام المُنتظر!

هانيبال المصلوب ووئام المُنتظر!

تعود قضية هانيبال نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي إلى الواجهة بين الحين والآخر رغم مرور ما يقارب العقد من استدراجه الى لبنان واعتقاله بتهمة إخفاء معلومات عن اختطاف مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام موسى الصدر أثناء زيارته الى ليبيا في آب/ اغسطس 1978.

كان هانيبال بعمر السنتين حين انقطعت اخبار الصدر واتهام نظام القذافي بإخفائه وربما تصفيته وتحول الحادث الذي هز الطائفة الشيعية في لبنان والعالم إلى مادة للمساومة السياسية خلال العقود الأخيرة والقى بظلامه على الوضع المعقد أصلا في لبنان وصار مادة إضافية  لإدانة نظام العقيد القذافي الذي اعلن في اكثر من مناسبة وعلى لسان  اكثر من مسؤول ان الصدر غادر الأراضي الليبية إلى إيطاليا في طريق العودة إلى لبنان ولا علاقة لطرابلس باختفائه. 

بعد سقوط نظام العقيد القذافي ومصرعه الدراماتيكي بفعل عدوان تحالف الناتو على ليبيا، لم يقدم حكام ليبيا الجدد معلومات مفيدة عن اختفاء الصدر، ولم يتم استدعاء شخصيات كانت  فاعلة أثناء حكم القذافي للشهادة أمام هيئة دولية او محلية مستقلة وظل الملف معولا يهدم أطلال العلاقة الليبية اللبنانية ومادة للابتزاز. 

كانت أسرة العقيد القذافي وأبنائه من بقي منهم حيا؛  تشردت بعد مصرعه في عدد من الدول، وكان نصيب هانيبال الاستضافة في سوريا برعاية رئيسها. 

المعروف أن القذافي احتفظ بعلاقات ممتازة مع عائلة  الأسد منذ وصوله الى سدة الحكم على انقاض النظام الملكي، وبفضل أموال ليبيا القذافي صدرت صحف وانتشر إعلاميون موالون لنظام حزب البعث في سوريا اصدروا صحفا ومجلات في لبنان. 

 وبفضل الهبة السخية  التي منحها  العقيد معمر القذافي للرئيس الراحل حافظ الاسد، تجنب النظام في دمشق هزة قوية كادت تصل إلى الاقتتال مع  قوات رفعت الأسد( سرايا الدفاع)  نائب رئيس الجمهورية العربية السورية اثر المحاولة الانقلابية الفاشلة على شقيقه حافظ الأسد  عام 1984. 

 

اثر فشل الانقلاب  اشترط رفعت لمغادرة البلاد وإنهاء التمرد ، تسليمه مبلغ 200 مليون دولار وان ترافقه في الطائرة الخاصة المتجهة نحو موسكو شخصيات قيادية في الحزب والدولة لضمان عدم إسقاط طائرة تقله  وأربعة من زوجاته في الجو. 

لم يكن امام الرئيس الداهية حافظ الأسد الا القبول بالشرط خوفا من اندلاع حرب أهلية ، لكن تأمين مبلغ 200 مليون دولار ( يعادل حاليا مليار دولار) امر مستحيل  في خزينة سورية شبه خاوية. 

سارع حافظ الاسد فاتصل بالأخ العقيد معمر  القذافي وكان الزعيم الليبي حينها يتنطع لدور قائد الأمة العربية خلفا لجمال عبد الناصر، وكان الرد ايجابياً ودون إبطاء  فقد وصلت حقائب الدولارات بسرعة الى دمشق وعكف ضباط ( سرايا الدفاع) على عدها دولارا دولارا خشية التلاعب من قبل المستلمين في المطار! 

طار رفعت الاسد مع 200  مليون دولار ورهط من قادة الجيش والمخابرات المخلصين للشقيق حافظ الاسد لتامين خروجها من الأجواء السورية  و الهبوط في مطار عسكري سوفيتي بضواحي موسكو. 

تمت العملية بنجاح وتناقلت الوكالات الحكومية السوفيتية والسورية خبر زيارة وفد رسمي برئاسة نائب رئيس الجمهورية السورية الى موسكو. 

واستكمالا لاجراءات الحفاظ على سرية الاشتباكات بأخمص البنادق بين سرايا رفعت وحماية حافظ في مطار دمشق وخوفا من عدم تصديق رواية الزيارة الرسمية وليس الإبعاد إلى الخارج، تم على عجل ترتيب لقاء بروتوكولي بين رفعت الاسد وقسطنطين تشيرنينكو  الكهل المصاب بالربو وكان قد  خلف ليونيد بريجنييف ولم يعمر في أمانة الحزب الشيوعي السوفيتي ورئاسة الدولة إلا بضع شهور. 

الطريف أن الكهل  تشيرنينكو كان بالكاد يسمع ويرى ليجد أمامه رجلا بقيافة عسكرية  بالغة الاناقة في وضع الاستعداد يرفع يده بالتحية ويهتف: 

الرفيق العزيز الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي انا على استعداد للخدمة في صفوف الجيش السوفيتي الأحمر. 

تمتم تشيرنيينكو بكلمات غير مفهومة. ونقلت وكالة تاس خبر اللقاء بين الضيف السوري الرفيع ورئيس الدولة السوفيتية لقطع دابر الإشاعات عن طرد رفعت من بيت أخيه حافظ وتجريده من كل مناصبه واحتفاظه فقط بهبة القذافي السخية. 

استمرّت العلاقات السورية الليبية قوية حتى في عهد الوريث بشار الاسد، وتعززت علاقات طرابلس مع إيران ووقف القذافي كما الاسد الاب مع ايران خلال سنوات الحرب ضد  العراق. وزودت طرابلس طهران بصواريخ  أرض أرض سوفيتية الصنع حين اندلعت حرب المدن بين الغراق وإيران. 

ولم تظهر حينها اية مواقف تدل على ان القيادتين السورية اوالإيرانية منزعجتان من  دور ليبيا في ملف موسى الصدر. ولم نسمع عن جهد سوري او إيراني للكشف عن مصير رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الأقرب إلى إيران الفارسية. 

بعد فترة قصيرة من اختفاء الصدر ذهب الى ليبيا وفد من المجلس الشيعي الأعلى وحصل على المعلومات التي طلبها من السلطات الليبية. وعاد الوفد باستنتاج واحد؛؛؛

الصدر لم يعد على قيد الحياة!

كيف توصلوا الى هذه النتيجة؟ 

سؤال يبقى ايضاً في دائرة الغموض. لكن 

“عادوا بقناعة أن الصدر ليس حيا”: 

قالت لنا المحامية اللبنانية البارزة بشرى خليل وتؤكد: 

” اتفق أعضاء الوفد على تأجيل نعي  الصدر منعا لاندلاع حرب طائفية في لبنان ولأن الشارع الشيعي كان محتقنا انذاك على ان يتم التبليغ في وقت لاحق بانتظار  تهدئة الخواطر”. 

واضح أن المعنيين بأمر الإمام موسى الصدر تخلوا عن نعي الإمام والكشف عن حقيبة ما بعد زيارة ليبيا . 

منذ ذلك التاريخ  تحول ملف الصدر إلى مادة للابتزاز والمساومة في إطار السعي لعقد صفقة سخية مع ليبيا المتهمة بإخفائه. 

لم تتحقق الصفقة في حياة القذافي ولم يتدخل أصدقاء بل حلفاء العقيد في كل من دمشق وطهران بجهد  معلن للكشف عن مصير الإمام الغائب كما لم نسمع من الرئيس الراحل حافظ الاسد ومن نجله الرئيس بشار موقفا رسميا ينحى باللائمة على القذافي، وكل ما نعرفه أن دمشق استضافت نجله هانيبال برعاية من الرئيس بشار الاسد وان استدراج  الرجل إلى لبنان قبل تسع سنوات وحبسه دون محاكمة؛ ازعج القيادة السورية وأثار غضب  السيد حسن نصر الله وترك  في روسيا حليفة سوريا وحزب الله وايران انطباعًا سيئا عن الجهة المتهمة باختطاف وسجن هانيبال وعنوانها معروف؛؛؛

حركة أمل ورئيس البرلمان اللبناني المزمن نبيه بري الذي يقول سياسي لبناني مقرب؛ انه يسعى للحفاظ على شعبية متآكلة لصالح حزب الله بين أبناء الطائفة في لبنان متمسكا بملف الإمام موسى الصدر. 

ووفقا للمصدر فان بقاء هانيبال في السجن اللبناني دون محاكمة وبتهمة واهية” إخفاء معلومات عن مصير الإمام الصدر” تجسد تدهور سمعة الدولة اللبنانية وتعكس ممارسات الابتزاز والسعي للحصول على مكاسب  مالية وسياسية رخيصة. 

مع ذكرى اختفاء الإمام الصدر في آب/ اغسطس وفشل الجهود  لإطلاق سراح هانيبال من السجن في لبنان يعود الملف الى الواجهة خاصة بعد تصريحات منسوبة إلى الوزير اللبناني السابق، وئام وهاب، قال فيها إنه “يملك معلومات بشأن قضية اختفاء الإمام موسى الصدر”.

‎ ونقلت قناة «الغد» عن وهاب قوله “وصلتني هذه المعلومات في أثناء لقاء سابق بالقذافي في ليبيا، لكني لا استطيع الإفصاح عنها تجنباً   للمشاكل”

وكشف  عن أن الإمام الصدر “لم يعد موجوداً خلال الأيام الثلاثة الأولى من غيابه”

تتطابق تصريحات  وئام وهاب السياسي اللبناني المعروف بعلاقاته الوثيقة مع القيادة السورية ورواية المحامية البارزة  بشرى خليل.وتكتمل مع فرضية ان الإمام لم يعد حيا. 

المحامية خليل كما تنوه تتعرض إلى التهديد بعدم الدفاع عن هانيبال وان أسرة نجل القذافي أبلغتها بسحب الملف من مكتبها بناء على طلب جهة لبنانية وعدت بحل القضية إذا انسحبت منها المحامية بشرى خليل. 

ترى هل يخشى وئام وهاب غضب نفس الجهة فيكشف نصف الحقيقة ويترك النصف الآخر معلقا ومعه يبقى مصلوبا  نجل القذافي هانيبال في سجن يقول محاموه انه قبو لا تصله أشعة الشمس؟

هل لم يعد في لبنان المتشظي من يردم الهوة بين شعارات التحرير وكل شيء من أجل المعركة وبين عذابات رجل كان بعمر السنتين حين اختفى رجل دين حوله الابتزاز السياسي الى مُنتظر آخر؟!

أحدث المقالات

أحدث المقالات