هانيبال القذافي… رهينة الماضي وصراع الحاضر

هانيبال القذافي… رهينة الماضي وصراع الحاضر

عادت قضية هانيبال القذافي الئ الواجهه مؤخرا ، مثيرة جدلاً واسعاً في الاوساط السياسية والاعلاميه . في هذا المقال  نتناولابرز اسباب هذا التجدد ونحلل خلفياته وتداعياته بصورة مبسطة

في زاوية قاتمة من السجن اللبناني، يقبع هانيبال القذافي منذ قرابة عشر سنوات، لا بوصفه متهماً بجريمة ثبتت عليه ولا بصفته شاهداً يملك الحقيقة الكاملة، بل كمجرد رهينة رمزية لماض دموي لم يغلق بعد وأداة تستثمر في حاضر سياسي متصدع.

هو نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، أوقف بطريقة أقرب إلى الاختطاف عام 2015، ثم حوّل الملف إلى قضية سياسية تحت غطاء قضية الإمام موسى الصدر.

لكن هانيبال لم يكن صاحب منصب حكومي، وكان في الثالثة من عمره عندما وقعت الجريمة المفترضة. وهذا يجعل استمرار احتجازه بلا محاكمة حقيقية خارجا عن قواعد العدالة والحقوق الدولية.ثمسلّم للسلطات اللبنانية التي رأت فيه فرصة لتحريك ملف الإمام موسى الصدر المختفي منذ عام 1978 وهي قضية وجدانية وتاريخية تمس وجدان الطائفة الشيعية في لبنان.لكن الواقع يعيد طرح السؤال الأخلاقي والقانوني، هل يمكن سجن رجل لم يكن مسؤولاً عن القرار السياسي في ليبيا ولا كان واعيا لما حدث كوسيلة ضغط لكشف مصير رجل غائب منذ 45 عامًا؟ الإجابة ليست قضائية بقدر ما هي سياسية وطائفية. ففي دولة مثل لبنان حيث الطوائف تمسك بمفاصل الدولة، تتحول العدالة إلى سلاح والسجون إلى أوراق تفاوض والموقوفون إلى أدوات في معارك لا علاقة لهم بها. وهكذا، وضع هانيبال في صندوق المعادلات لا في قاعة محكمة عادلة.

ورغم أن النائب العام الليبي أرسل طلبا رسميا بنقله أوالإفراج عنه ورغم تحركات دبلوماسية وحقوقية متكررة إلا أن لبنان ما زال متمسكا باعتقاله بانتظار ما لا يأتي من ليبيا، إفادات حاسمة أو اعتراف رسمي بمصير الإمام الصدر.

اللافت أن الحكومة الليبية الجديدة نفسها تبدو أكثر حرصا على استعادة ابن القذافي من حرصها على كشف حقيقة مقتل أو اختفاء الإمام، ما يجعل القضية تنزلق من ميدان العدالة إلى ملعب الصفقات.

فما بين إضرابات عن الطعام ونداءات حقوقية وتحركات دولية خجولة، يختصر المشهد برهينة سياسي لا يحاكم ولا يفرج عنه ورمز ديني اختفى ولم يحسم مصيره، وقضاء متردد يخشى أن يغضب جمهوراً هنا أو هناك. فمتى تتحرر العدالة من ثأر التاريخ !؟

إن استمرار اعتقال هانيبال بهذا الشكل لا يرضي الضمير الانساني ولا يليق ببلد يدعي احترام حقوق الإنسان. بل يعيد التذكير بأن العدالة حين تسخّر للثأر تفقد معناها وتصبح امتداداً لصراعات لا تنتهي

المطلوب اليوم ليس فقط إنهاء معاناة فرد بل استعادة هيبة العدالة في وطن مهدد بانهيار أخلاقي أخطر من الانهيار المالي.

أما الإمام موسى الصدر فقضيته أكبر من أن تختزل في توقيف رجل بريء قضيته بحاجة إلى حقيقة لا إلى رهينة وإلى إرادة لا إلى ورقة ضغط

 ليس من الإنصاف أن يصبح الإنسان ضحية لاسم أبيه ولا أن يسجن على نية العدالة المؤجلة. نحن لا ندافع عن نظام القذافي لكننا نؤمن أن العدالة الحقيقية لا تنتقم بل تنصف وإذا كنا نريد معرفة مصير الإمام موسى الصدر فلن نبلغ الحقيقة بظلم جديد بل بالحكمة والتحقيق والإرادة الصادقة. ربما لم يكن هانيبال ملاكا، لكنه ليس قاتلا.

لماذا يستغل ملفه داخليا في لبنان؟

قضية السيد الصدر مؤسس حركة امل واختفاؤه في ليبيا تعد قضيته من القضايا التاريخية والوجدانية الحساسة للطائفة الشيعية في لبنان

يحمّل البعض نظام القذافي مسؤولية اختفائه، لذا يعتبر هانيبالولو لم يكن في موقع المسؤولية وقتها أحد رموز هذا النظام.

إحتفاظ بعض القوى السياسية اللبنانية بملف هانيبال كـورقة ضغط سياسية سواء تجاه ليبيا الجديدة أو حتى في حسابات داخلية بين الأطراف ، تستخدم القضية أحياناً لشد العصب الطائفي أو لتصفية حسابات مع جهات سياسية معارضة أو خارجية.

الانقسام الطائفي والسياسي في لبنان ، القوى الشيعية (وخاصة حركة أمل) ترى في استمرار احتجازه نوعا من العدالة أو على الأقل وسيلة للحصول على معلومات في المقابل، هناك من يرى أن لبنان يخرق القوانين الدولية ويحتجز شخصا بلا محاكمة عادلة، ما ينعكس سلبا على صورته القضائية والحقوقية

ملف العلاقات مع ليبيا ، لبنان لا يملك علاقات دبلوماسية واضحة مع ليبيا ما بعد القذافي، وأي تفاوض بخصوص هانيبال قد يستخدم كورقة في العلاقة المتوترة أصلاً

بعض الجهات تخشى من أن الإفراج عنه دون مكاسب قد يعتبر “تنازلاً

المنظمات الحقوقية (منها العفو الدولية) تحدثت مرارا عن أن توقيف هانيبال تعسفي وأنه لا يجب أن يحاسب على جرائم أو أفعال كان طفلا حين وقعت.

محاموه يطالبون بمحاكمة عادلة أو الإفراج عنه، وسط مخاوف من تدهور صحته وظروف احتجازه

رأيي الشخصي

الإمام موسى الصدر رمز كبير ويستحق العدالة، لكن العدالة لا تتحقق بسجن رجل بريء على الأرجح لم يكن مسؤولا ولا طرفا في القضية.

استمرار اعتقال هانيبال يظهر قصورا في استقلال القضاء اللبناني ويضر بمصداقية الدولة أمام الرأي العام العالمي.أما ليبيا، فهي تحاول استغلال الملف لتلميع وجهها لكنها لم تظهر جدية كاملة في كشف الحقيقة أو التعاون الفعلي، بل تريد استعادة هانيبال لا أكثر. ومن المحتمل أن تنتهي هذه القضية خلال الأشهر المقبلة إذا قدمت ورقة تسوية تحفظ ماء الوجه لجميع الأطراف، أما إن استمرت عقلية الانتقام الرمزي فسيبقى لبنان يدفع ثمن دماء لم تكشف حقيقتها منذ 45 عامًا.

أحدث المقالات

أحدث المقالات