18 نوفمبر، 2024 3:31 ص
Search
Close this search box.

هانت دمائكم على أنفسكم، فهان على الناس دماكم!

هانت دمائكم على أنفسكم، فهان على الناس دماكم!

تابعنا وتابع كل العراقيين بحزن وألم أخبار اختطاف الاستاذ الجامعي العراقي الدكتور حميد خلف حسن على يد مجموعة مسلحة في ليبيا، ومن ثم أنباء غير مؤكدة بإعدامه لاحقاً، وعللت الجهات الخاطفة فعلتها بإنه جاء ثأراً لإعدام أحد الليبيين في بغداد! وهو سبب لا يمكن إلا أن يكون عذراً أقبح من ذنب، ويدل قطعاً على حياة الغاب التي تعيشها شعوبنا العربية وخاصة الحديثة الديمقراطية والواقعة تحت تأثير الحرية الزائفة وفقدان هيمنة القانون الوضعي والشرعي.
وبالرغم من الأهوال التي يعيشها الشعب العراقي في بلده، إلا أن مثل هذه الحادثة التي طالت شخصية أكاديمية معروفة بعلمها الزاخر لابد وأن تأخذ مداها الإعلامي المناسب، ولا أقصد هنا إلقاء اللوم على الجهات المسلحة بالرغم من مسؤوليتها الكاملة على هذه الفعلة النكراء، فالعراق يزخر بقصص استهداف الأكاديميين وأغتيالهم وتهجيرهم من قبل ملل وطوائف ليس في قلبها ذرة من إيمان، لكن نريد أن نصل إلى أسباب هذا الأستهداف الذي لم يكن الأول ولن يكون الأخير لعقولنا المهاجرة التي تعتبر الأرث العلمي الذي سيحتاجه العراق يوم تحريره من براثن الفاسدين والجهلة الذين يحكمونه اليوم، فهناك حوادث تعرض لها عراقيون في سوريا وغيرها لم نر أي موقف حازم ازاءها من قبل السلطات العراقية.
وقبل الدخول في حيثيات هذا الحدث نشير إلى معلومة سنحتاجها لاحقاً، وهي انه قبل مدة قصيرة من هذه الحادثة زار وفد ليبي العراق، وتم الاتفاق بشكل مبدئي على اطلاق سراح عدد من المعتقلين الليبيين، والمفروض ان يكون الاتفاق خطوة باتجاه تحسين العلاقات بين البلدين!! وهو ما يطرح علامات استفهام خطيرة تؤدي في النهاية إلى توجيه الاتهام للسلطات العراقية بالمشاركة غير المباشرة باختطاف الدكتور حميد خلف!
بداية لنقرأ معاً تصريح وزارة الخارجية حول هذه الحادثة والذي جاء بعد أيام من وقت حدوثها الفعلي!! ولا نعلم أين دور السفارة العراقية في ليبيا؟ أو أسباب التباطؤ في معالجة مثل هذه الحوادث الخطيرة، يقول تصريح وزارة الخارجية “تدين وزارة الخارجية العراقية حادث مقتل الأستاذ الجامعى العراقى المختطف حميد خلف حسن، واصفة الحادث بالعمل الإرهابى، وخارجا عن الأعراف الإسلامية والإنسانية، وتطالب الحكومة الليبية بحماية العراقيين لديها” انتهى التصريح.
تلاحظون هنا بأن التصريح جاء بعد انتشار خبر مقتل الأستاذ الجامعي وليس قبلها! وهو بالطبع لا يمثل دليلا قاطعاً على عدم معرفتها بأمر الاختطاف! لكنه بالتأكيد يمثل تقاعساً في إحدى حلقات متابعة هكذا أمر خطير يقع ضمن مسؤولية الوزارة وسفاراتها في الخارج، وهي نقطة ضعف خطيرة في أداء هذه الوزارة لمسؤولياتها تجاه المواطنين العراقيين في الخارج، لكنها ليست نقطة الضعف الوحيدة في هذه الحادثة كما سنرى!
ذكرنا في بداية المقال عن الوفد الليبي الذي حضر إلى بغداد من أجل بحث سبل إيجاد الحلول لإشكالية المعتقلين الليبيين في العراق، وإن الطرفين قد توصلا إلى اتفاق بهذا الشأن لم يعلن عن تفاصيله، لكن على ما يبدو إن الطرف الليبي قد فهم الاتفاق بغير ما فهمه الطرف العراقي! وهذا ما نقرأه في قرار تنفيذ حكم الإعدام بأحد المعتقلين الليبيين والذي أدى في النهاية إلى تعقيد حياة الجالية العراقية في ليبيا، وهو ما يدلل على تجاهل السلطات العراقية وتقاعسهم عما يتعرض له العراقيون بسبب طيش قرارات الحكومة العراقية تجاه قضايا دولية ثنائية سببه تسيد المتخلفين والجهلة لمقاليد الحكم في العراق بعد الإحتلال.
ولإثبات هذه النظرية ننقل لكم تصريح رئيس الوزراء الليبي خلال مؤتمر صحفي عندما قال بإنه اتصل برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وطلب منه أن يوقف تنفيذ حكم الإعدام بحق المواطن الليبي المسجون بالعراق “عادل الزوي” وقد اجاب قائلا ” إن تنفيذ الإعدام وقع خارج إرادة الدولة العراقية ومن قبل كتائب غير شرعية هناك” !!!
وهنا تكمن الطامة الكبرى!! عمليات إعدام تجري في العراق خارج إرادة الدولة العراقية!! كيف ذلك والمفترض إن الدولة مسئولة عن السجون والقضاء؟؟ هذا بالضبط يؤشر لحقيقة ما يجري في العراق من عبث وفساد وقتل وتدمير، وعدم إحترام للشعب وتطلعاته وأمنياته للمستقبل، والأدهى من ذلك إن كل دول العالم التي يتواجد فيها العراقيون تكن لهم كل الاحترام والتقديرلعلمهم وثقافتهم، وهو ما يقودنا إلى حقيقة إن ما جرى في ليبيا هو رد فعل لفعل عراقي حكومي شائن، ولم يكن مقصوداً به الشعب العراقي قطعاً، ويمثل حالة فردية مبنية على أخطاء قامت بها حكومة العراق بحق شعبها قبل أن يكون خطأً إحدى الجهات المسلحة بحق أستاذ جامعي ساقته الأقدار لأن يتواجد في المكان الخطأ والزمن الخطأ.
وبعيدا عن موقف الحكومة العراقية وأخفاقاتها القاتلة، نفاجأ بموقف البعض من الشعب العراقي الذي أنغمس بمستنقع الطائفية المقيتة عندما بدأ يكيل الاتهامات الطائفية للجهة المختطفة والذي من خلاله علمنا طائفة الأستاذ المغدور وليس قبلها، فالعراقي الخالي من أية أمراض طائفية مستوطنة سينبري للتفاعل مع قضية الاختطاف دون الرجوع لمعلومة طائفة الرجل، ومن القرف حقاً أن يأتي التقييم الطائفي قبل المستوى العلمي والثقافي والانساني لهذه القضية! وهو مرض تفشى بعد الإحتلال بشكل ينذر بالخطر الكبير، وفي المقابل هناك البعض الذين تجاهلوا هذا الخبر بالرغم من خطورته لأنه يخص مواطن من الطائفة الأخرى، وهو موقف مكمل للآخرين الذي أنجروا وراء غرائزهم الطائفية في الدفاع عن المغدور.
إنها متاجرة مستمرة بدماء العراقيين على أساس الطوائف والأديان والأثنيات، عملية يراد منها قتل عقلية العراقي الفذة من خلال خلق الأجواء البيئية الفاسدة وتوفير كل مستلزمات الجهل والتخلف لإعادة العراق إلى عصور ما قبل الصناعة، مع استمرار قتل المبدعين والعلماء والأطباء والاساتذة الذين بنوا العراق وساهموا بتطويره قبل أن يتعرض لهذا الانهيار، وخسارة كبيرة للعراق فقدانه لأي مواطن مثل الدكتور حميد خلف وغيره من الذين كان للحكومة الوطنية الفضل في إرسالهم للخارج من أجل نيل العلوم المختلفة، والذين ساهموا فعلياً في تطوير وتنمية مختلف مجالات الحياة في عراق ما قبل الإحتلال.
تخرج الدكتور حميد خلف حسن من قسم الهندسة المدنية في جامعة صلاح الدين (السليمانية) عام 1980 ، وخريج معهد الماتا للعمارة في كازخستان عام 1986 ، وحصل على الدكتوراه من معهد بيلاروسيا البولتكنيك تصاميم انشائية عام 1989 .
عمل تدريسيا في جامعة بابل من عام 1991 وحتى عام 1998 ، ثم انتقل الى جامعة عمر المختار في ليبيا من 1998 وحتى عام 2004 ، وفي المعهد العالي للمهن الشاملة درنة في ليبيا منذ عام 2004 الى حين اختطافه.
حفظه الله من كل مكروه إن كان حياً.. ورحمه الله وأسكنه فسيح جناته إذا جاور ربه..

أحدث المقالات