هاقد انقضى عاشوراء.. واستذكرنا طيلة الأيام العشرة السابقات مصابا جللا، هو في حقيقة الأمر لم يكن يفارقنا حتى في شهر غير شهر محرم، وقد أدى المؤمنون منا بعظمة هذه الذكرى ما استطاعوا تأديته من واجبات ومستحبات، مأجورين مثابين بشفاعة سبط النبي (ص) يوم لاينفع مال ولابنون.
وها قد عدنا إلى همومنا المتزايدة من يوم إلى يوم، ومن شهر إلى شهر، فكأن الحزن مختوم على العراقيين من عقود او قد تكون قرونا مضت. إذ عكس مايشغل سكان الأمم التي تلت حضارتها حضارة بلاد وادي الرافدين، تشغل بالنا اهتمامات يومية عديدة، لاتتجاوز السؤال عن الكهرباء وزحامات الشوارع والتفجيرات والتموينية، وكذلك التخوف من الأمطار القادمة في شتائنا المجهول، فضلا عن هموم القلق المتزايد من الوضع الأمني الخطير في محافظاتنا المسلوبة، والخوف أكثر من سياسات بعض قادتنا في الإبقاء على مالدينا من محافظات مازلنا نعيش فيها بأمان -أو بنصف أمان- إضافة الى هموم أخرى يضيق بها مقامي هذا إن أردت سردها، لاتوجد في قاموس الدول التي تعيش القرن الحادي والعشرين بكل ماأوتيت من فرص في تسخير العلوم والتكنولوجيا لخدمتها. فيما نعيش في وادي الرافدين وكأننا في كوكب غير كوكبهم، وزمان غير زمانهم.
إذ مااجتمع عراقيان صباحا او مساءً، في معمل او مسجد او مقهى اوعلى قارعة الطريق، إلا وذهب بهم الحديث الى الترديات والإخفاقات في كل مفاصل الحياة في البلد. وهو الهم الذي باتت علامات الاستفهام والتعجب تتسع فيه، وأمست أصابع الاتهام لاتكفي لعد الأسباب وتعداد المسببات فيه ، فعشرة أصابع لاتكاد تحصي الأعداد الهائلة من الشخصيات التي تقف وراء هذا التقصير. فبدءا.. الهم المتوارث في كل عام والذي يتعلق بالموازنة العامة للبلد، فقد تجاوز سقف الهموم وتناسلت منه هموم أخرى كثيرة.. كما لتفشي الفساد المالي والإداري في مفاصل المؤسسات والجهات المسؤولة عن الخدمات باع طويل وحضور فعلي في جملة الهموم المتراكمة، والذي يحزن المواطن المهموم أنه في واد وساسته ومسؤولوه في واد، وما همومه كلها إلا نتاج صراعات ومناكفات و(مناگرات) ساسة وكتل وتكتلات وقوائم وأحزاب، كان حريا بهم جميعا ان يوحدوا النية الخالصة والكلمة الصادقة والتصرف السليم، لتلد لهم مجتمعة قرارات صائبة، تسفر عن أداء جيد في الواجبات خالٍ من التقصير، وبالتالي تنجلي هموم رعيتهم.
ولمن يبوّب الأسباب الآنفة الذكر بحيادية مهنية، من المؤكد انه سيضع الفساد بنوعيه في أولوية أسباب الترديات، إذ يتضح له جليا ان الفساد آفة فتاكة في جسد الدولة، يغذيها ويرفدها ويدعمها الجميع بدءًا من المسؤول -على أعلى المستويات- في الوزارات والمؤسسات الحكومية، نزولا بالتدرج الوظيفي الى المدير العام فالمدير… حتى الوصول الى العامل غير الفني، وبذا يكون جميعهم مسؤولا عن إيجاد الحلول وتطبيقها، وقطعا هي مسؤولية هرمية، يقع ثقلها الكبير على رأس الهرم نزولا الى قاعدته، فهل يشهد العراقيون سقفا زمنيا لنهاية همومهم؟ وهل هناك عام يتأملونه مستقبلا يخلو من الهموم والأحزان إلا من هموم عاشوراء وأحزانه؟