فلم في أقاصي الجنوب الذي كلف الماهود الشيء الكبير من الصراع الذهني وتأملات زوايا كاميرا , تعطلت بفعل فاعل وبوأد بشع لنظام لا يستحب الفن ولا ينفعل بالجمال , أيام وشهور من الانتظار , عسى أن يولد حتى ولو كان بعملية قيصرية , ولم تجدي كل المحاولات نفعا , لينام الجنوب بأقاصيه جنينا وطنيا جميلا في مخيلة الماهود , ذلك الحلم المتآخي مع نظرة لمستقبل أنشدناه بقصائد عن الحب والحرية , نراه يغيب عن عالمنا بكل شيء , طرق الماهود جميع الأبواب الوطنية والمستوردة مع صفقة المترو المعلق على حبل غسيل الملابس في قصص الحكام المخبولين , يحاول جاهدا إبراق رسالة وطن , صورة عن معنى وطن في عيون كاميرا هي الأصدق من خطابات الكذب , ولواط السياسة , ورقص بعض الدببة المتكرشة العرجاء في مربع المنطقة الخضراء المتخمة بآمال الجمهور المقهور , لم يتعب صديقي الماهود برغم تجليات الحزن على سيناريو الحلم الذي ما بقي منه إلا وجع الأقدام وهاجس للمنفى ومقاربات لا تشبه إحداها الأخرى , فبعد حصاده الوفير لجوائز مهرجان الخليج عن روعة ( العربانة ) الفلم الذي جاب الدنيا شمالا وجنوبا وشرقا وغربا , والذي لاقى استحسانا ومحبة طبيعية لدى الوسط الثقافي العراقي , بذات الوقت الذي لاقى إهمالا طبيعيا لدى الوسط السياسي والحكومي العراقي أيضا بحكم بلادته الثقافية وعدائيته للفن والجمال , حزم الماهود كاميرته هذه المرة في داخل (سيارة إسعاف ) قصة لا يعيها إلا ماهود حساس , يستنطق فيها الضمير الإنساني الكوني عن عالم شوهت ملامحه تراكمات الانحسار , عالم إنساني لمخلوقات اسمها العراقيون , اجتهد ببلاغة صورية أن يصنع من حادثة المجندة الأمريكية الأسيرة ( جيسيكا لانج ) التي أنقذ حياتها سائق إسعاف عراقي ملحمة إنسانية , لينتج من خلال تلك الحادثة صورا تتحرك في وجدان العقل البشري أيا كان انتماءه تتزاحم بقوة لتمزق كل تشويهات الصور للموت والقتل والسلب التي صنعتها إرادة الساسة وبلادة التطرف الأثول , ليحل محله عالم الماهود عن المعنى الإنساني الحقيقي لعالم اسمه الإنسان العراقي , التقيت صديقي الماهود يترجل بغداد يبحث فيها عن متبقي لعالمه , تناولنا الحديث سرق مني كل اهتمامي ليأخذني داخل سيارة إسعافه بحلم وجداني رقيق معافى لوطن يئن في أرواحنا , بكل فرح بادرته مسائلا , ( متى تتحرك سيارة الإسعاف ) ؟ استغرق في حلمه كثيرا , وتحشرج صوته ,( أخاف أن لا تبارح ذهني وروحي ) , ( لماذا يا صديقي ) ؟ بحسرة أثقل من الماهود , ( التمويل , فلقد تبرعت إدارة مهرجان الخليج بجزء من مبلغ التمويل ويعيق حركتها المتبقي من المبلغ فلقد تعسر تدبيره ) , كم قيمية وثقيلة أحلامنا على بساطتها , فتخيلوا إن الحكومات العراقية ومنذ 2003 بعثرت أكثر من ثلاثمائة مليار دولار لتبعث بها رسالة كراهية وسرقة للعالم وتلطيخ السمعة الوطنية , في حين تخلفت عن ثلاثين ألف دولار فقط ليرسل الماهود رسالة حب وإبداع عن العراق , أي حكومات أمية هذه يا وطني ؟