23 ديسمبر، 2024 2:01 م

هادي الربيعي الأستاذ والطالب ، طفلٌ موهوب ٌ بريْء بعقل ٍكبير

هادي الربيعي الأستاذ والطالب ، طفلٌ موهوب ٌ بريْء بعقل ٍكبير

منذ ان تعرفتُ على الشاعر هادي الربيعي في منتصف العقد السبعيني من القرن الماضي ، حينما كنا نعمل معاً في اذاعتي بغداد وصوت الجماهير ، أنا على الملاك الدائم وهو على المكافأة المقطوعة في اقسام البرامج الثقافية معدين ومحررين للكثير من البرامج التي علقت في الأذهان والتي كانت باشراف رؤساء الأقسام آنذاك ومنهم على سبيل المثال القاص والاعلامي سعد البزاز والروائي أحمد خلف والشاعر صاحب خليل ابراهيم والشاعر سعدي يوسف وغيرهم ، منذ ذلك التأريخ وانا أكن ُ لهذا المبدع الكبير التحية والتقدير والاحترام وتعمقت علاقتنا الطيبة بعد ذلك فكنت بحكم عملي الوظيفي و الاعلامي في الاذاعة والتلفزيون آنذاك رسوله الذي يحمل برامجه الثقافية الى الأقسام المختلفة فأوفر عليه جهد السفر وعناء الذهاب الى بغداد كل اسبوع او بين يوم وآخر لأني في الغالب اذهب وأعود يومياً بين بغداد وكربلاء.
هذه هي نقطة البداية ومحطة الالتقاء الأولى التي مدَّت جسر المحبة والأخوة والصداقة الحميمة بيني وبين الربيعي ، وافترقنا مدة من الزمن .. أنا اعتُقلت وسُجنت في سجن الأحكام الخاصة بعد ان صدر الحُكم عليَّ بالسجن المؤبد ومصادرة أموالي من قبل محكمة الثورة المقبورة سيئة الصيت بسبب موقفي المناهض للحرب ، والربيعي ايضا تعرض للاضطهاد والملاحقة والاعتقال ثم التقينا ثانية بعد ان عضَّنا الجوع وضنك العيش والوجع اليومي الذي أكل أحلامنا وصادر أقلامنا واصواتنا ، فاذا به يعمل بائعاً للكتب على ارصفة كربلاء لفترة تزيد على التسع سنوات مع الشاعر الشهيد أحمد آدم واذا بي ابيع اثاث بيتي لأعيل عائلتي لكي تواصل الحياة .
ومرّت السنوات العجاف علينا ثقيلة ً كئيبة ً باحزانها وأوجاعها وهمومها كتبنا فيها بعض القصائد التي تمدح الطاغية كما يزعم البعض ليس أيماناً بهذا الدور فنحن ابعد ما نكون عن ذلك ولكن حفاظاً على حياتنا و طمعا برغيف الخبز الذي يديم حياة اولادنا وبيوتنا فقد اضطرتنا الظروف لأن نكتب للآخرين من أجل مكافأة بائسة نسد بها صرخات الجوع الكافر وانقشع الكابوس الذي أطرَّ حياتنا بالأسى والحرمان والذل أحياناً وجاء العصر الديمقراطي الجديد والتقيت بصديقي أبي علاء في اذاعة كربلاء وكنا من مؤسسيها وما زلنا من الفاعلين فيها.
أعذب ما يشدني الى هادي الربيعي هو اصراره على مواصلة الحياة ٌ بعطاء ٍ وابداع ٍ وتحد ٍ، فهو الشاعر الذي لا يكل عن القراءة والكتابة وهو الاعلامي الذي تراه موجوداً في كل محفل ومؤتمر وندوة ، وهو المتابع الذي يستشرف الأحداث بقراءة معظم ما يدور على الأنترنيت من ثقافة وأدب اضافة الى كونه صاحب قلب رقيق متسامح وعاطفة جياشة وعقل حواري هاديء .. هادي الربيعي بسنواته التي جاوزت الستين طفلٌ موهوب بريءٌ بعقل ٍ كبير.
أنا على يقين بأن صديقي الجميل في وعيه واحساسه وشاعريته وعلاقاته مع الناس سيظل شجرة ً كبيرة مثمرة وارفة الظلال على من سيأتي بعده من الأجيال ، وسأورد لكم شاهداً حياً على ان الربيعي ما زال طفلا ً موهوباً يتعلم ويعلِّمُ وهو انضمامه رسمياً الى طلبة المرحلة الأولى في قسم الصحافة والاعلام بكلية الآداب / جامعة أهل البيت بعد ان كان في العام الماضي محاضراً لمادة أدب الطف على طلبة القسم التمهيدي في كلية الإمام الحسين ع للخطابة وها هو اليوم يصل الى المرحلة الرابعة وللسنوات الثلاث الماضية كان الأول على دفعته خلال السنوات الثلاث .
ولعل مزية أخرى تميز هذا الشاعر هو ايمانه الراسخ والثابت والقوي بنهج أهل المدرسة المحمدية العلوية الطاهرة فقد الهمه الله تعالى ملكة شعرية في حب أهل البيت فجادت قريحته بعشرات القصائد العصماء التي لابد وان تخلِّده حتماً كنجم ٍ مضيء ٍ في سماء الشعر الذي يبقى ، تحية لهذا المبدع المعطاء وسلاماً لوجهه المشرق وأدبه الثر .