لطالما حَلُمَ الإنسان وتمنى، في أولويات وجوده، أن يكون خالداً لا يفنى، وأراد أن يقهر الموت الذي لم يكن يفهم له معنى، فسعى، إلى من ظن أنه عدوه الذي يحرمهُ الحياة، ويسلبها منهُ كرها، ليقتله قبل أن يصل إليه؛ وسعى، من جهة أخرى، إلى الذي ظن انه يمنحه الحياة، ليستأزر به، وظنه المنجى.
ولما رأى، من الطبيعة من حوله، ما رأى، قدرة لا تجارى، وصواعق ورعد وأخرى، علم بأنه عاجز بكل ما آتى، من قوة وحول فلا منجى، فاستسلم طبقا لما رأى.
ثم خاف، وبدأ يخشى، فجعل من الطبيعة القوة الكبرى، فسّخر نفسه عبداً لها، كلً أو جزءً، فآله للخير وآله للشر, وماء وتراب، وشمس وقمر، ونار تصلى، وإبتكر طقوسا، وتعويذات جما، فترنم وتغنى، وأوجس خيفة فافتدى، بذبح عزيز، وسفك دماء، لعلها ترضى، فسلب الحياة وهو يطلبها! فإنتكس وتردى، وتأكد من أنه ليس يقوى، على أن يكون خالداً، وسيفنى.
تخبرنا الأساطير والحكاوى، أن هنالك من تمرد وطغى، ثم سعى، ليقهر قانون الدنيا، فلجأ إلى الطبيعة مرة أخرى، وإستنجد بها عساها، أن تجد له ترياق الأبدية، فها هو “كالكامش” وصديقه “انكي دو” وأسطورتهما المشهورة، و”الفراعنة” وغيرهم، عبدوها، وهي صماء بكماء، لا ترد لهم جواباً، ولا تملك لهم ضراً ولانفعا.
لكن من الغريب، أن نجد هاجس وعملية البحث عن الخلود، إخترقت جدران الديانات السماوية، وكتبها المقدسة! وإذا كنا نستطيع أن نشكك في بعض هذه الكتب المقدسة، فإننا كمسلمين، قطعاً لا نستطيع التشكيك في القرآن الكريم﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[الحجر:9]﴾ وقوله تعالى﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[فصلت:42]﴾.
فهذا النبي آدم”ع”، يُخبرنا القران الكريم عنه، أنه أول البشر وأبو البشر، جعله”عزوجل” خليفته في الأرض﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً[البقرة:30]﴾، وأدخله الجنة﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ[البقرة:35]﴾، ووعده﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى* وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى[طه:118-119]﴾، ونبهه إلى عدوه الذي رفض تعظيمهِ تعالى لآدم”ع” بالسجود﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى* فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى[طه:116-117]﴾، ولكن بالررغم من هذا العطاء الكبير، والتحذير الخطير، نجدُ أن عدوه وصل إليه ولزوجه﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ[البقرة:36]﴾، مستغلاً(انتباه رجاءاً) فكرة الخلود، ومتكأً عليها﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ[الأعراف:20-21]﴾ والنتيجة﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى[طه:121]﴾!
إن إتجاه آدم”ع” إلى الطبيعة، لحل المسالة أوقعه، وكانت الطامة الكبرى، ولم تمنحه الطبيعة الخلود، بل أعطته المشقة والتعب، والكد والنكد، والأعداء وكثير بلاء، ﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى[طه:122]﴾، لكن﴿ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه:115]﴾، وهنا مفارقة كبيرة، أتجنب ذكرها، لعل مضرتها أكثر من نفعها، أو أن لها وقتها، فإذا حان حينها، أخبرتكم خبرها.
الملك الصالح(ذو القرنين)الذي جعل له ربه، من كل شي سببا﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾، وبلغ مغرب الشمس﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾ وبلغ مطلع الشمس﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً﴾؛ تخبرنا الروايات، أن هذا الملك كان يبحث عن ماء الحياة، وعين
ماء الخلود، وعند وصوله قريباً من المكان المحدد، تعددت الاتجاهات والطرق، فبعث من رجالاته في كل طريق، منهم نفرا، فلم يجدوا شيئا، فاكتشف الحكمة وتخلى.
كانت الحكمة التي اكتشفها، وجعل الحكماء منها تعليلا لذلك، هي:”إن الإنسان خالد بعمله، لا بجسمه وتراكيبه الصغرى”، فهل ترك الإنسان بحثه عن الخلود الجسماني، يا ترى!؟
لم يتوقف الإنسان أبدا، ولن يتوقف؛ كأن المسالة تعلقت بفطرته، فهو يعود عبر موجات التاريخ المتلاطمة، ليبتكر وسيلة له أو سلوى، من حيث يشعر أو لا يشعر، فها هو الطب الحديث، يبتكر أنواعا من العلاجات، ويجري الكثير من العمليات، ليتمكن من أن يمد عمر الإنسان، لأطول فترة ممكنة، ولو للحظات حتى.
بات من الواضح، أنهم موقنون بالموت، لكن عندما نتجه إلى الواقع العملي لديهم، نجدهم يبحثون ويفتشون عن الخلود، سواء من الطبيعة أو ما وراءها، المؤمن منهم والملحد على حد سوى، ويجدون لهم تعاليل كثيرة، ونظريات أكثر، ولكن دون جدوى، إلى ألان؛ والكلام يطول، والبحث سيبقى.
والسؤال: هل يوجد” خالدون” جسمانياً؟ ومَنْ هم إن وجدوا؟ لعـلي(فيما بعد) اُحـدث لكم منه ذكرا.