عندما تذكر مفردة (الخيانة) يَذهب الفكر الإنساني مباشرة إلى مَن يبيع وطنه، ويتعامل مع العدوّ في أوقات السلم والحرب!
ويبدو، ومع تعقد الحياة، اتّسعت دائرة بعض المفاهيم والمصطلحات، ومنها (الخيانة)، ولهذا صرنا نواجه عشرات آلاف الخونة في غالب البلدان!
وهؤلاء الخونة المُتَنَكِرون يشتركون في التوصيف،ويختلفون في المقام والمهام، فمنهم مَن يقود مَرْكب الخونة، ومنهم من يُنفذ أوامر الخائن (الكبير)، ومنهم مَن يستغل منصبه ومكانته، وربما، (نضاله)لخيانة الوطن والناس، وغيرها من الأدوار الخبيثة القاصمة لظهر الوطن والناس!
ولا يمكننا حصر أعداد هؤلاء الخونة بسهولة، ولكن، مَن يعزف سمفونيات الوطنية على المواطنين، وهو أول مَن يعمل لمصالحه الخاصة والحزبية دون النظر لمصلحة الوطن والناس فهو خائن!
والمسؤول الذي يعمل عبر سياسات شاذة وبعيدة عن التخطيط الدقيق والمدروس ولا ينقل الحقائق لمسؤوليهفهو خائن!
والمسؤول الذي يشلّ طاقات شباب الوطن فهو خائن للحاضر والمستقبل!
والمساهمون في التخلف الحضاري والعلمي والعملي هؤلاء في تشكيلة فريق الخونة!
والذين أهلكوا الأراضي الزراعية الشاسعة والصالحة للزراعة خونة!
والذين حطموا المصانع والمعامل، وأوقفوا دواليب الإنتاج خونة!
ومَن يَخدع الناس بمشاريع وهمية هزيلة ظاهرها التقنية والتطور، وباطنها الهشاشة والتراجع فهو خائن!
والذي يُنَمّي أمواله عبر سراديب الفساد الإداري والمالي ويقتات على أموال الدولة والشعب فهو خائن!
ومَن يسرق أموال الدولة، ويساهم في تنمية آثارها المتعفنة التي فَرَّخت جيوشا من الفقراء والمحطمين فهو خائن!
ومَن يسعى لتضييق الخناق على أرزاق الناس ومصادر عيشهم فهو خائن!
والمتشبثون بالخراب، بعناوين براقة، والداعمون للفساد العام، والرشاوى والمحسوبية بمؤسسات الدولة خونة!
والذين يحطمون كيان الدولة، وبأساليب شيطانية قائمة على المصالح الشخصية وبعيدة عن أدوات التطور، خونة!
والمتملقون، وسماسرة المناصب والعلاقات، والذين يسعون لتخريب ضمائر الناس، وأفكارهم وثقافتهم خونة من نوع مميز!
والذين ينفخون كروشهم بأموال المشاريع الهزيلة والخالية من أبسط مواصفات الجودة المحلية، وليست العالمية، فهم خونة!
ومَن لا يُقدم النصيحة للوطن والناس، وهو قادر على ذلك، فهو خائن!
والذين يكممون أفواه الناصحين، ويحطمون أقلام المحبين، ويكبلون حرية الحريصين فهؤلاء هُم قادة مَرْكب الخيانة!
ورجال الأمن والدولة الذين يتلذذون بهدر كرامة المواطنين خونة!
والمشجعون على الطائفية والتناحر بين المواطنين خونة!
والمستغلون للمنابر الدينية لنشر الأفكار الهدامة خونة!
والذين يتهمون الناس بالباطل، ويحاربونهم في مناصبهم ووظائفهم وأرزاقهم خونة!
ودعاة الإعلام الهزيل، والمُسَلِّط الضوء على آليات انهيار منظومات القيم الوطنية والفكرية والتربوية والإنسانية والأخلاقية، والناشر للخراب الأخلاقي وسموم العري، والإغراء والبهيمية بين الناس فهم خونة!
والذين يرمون الوطن بمستنقعات التهلكة عبر تجارة المخدرات خونة!
والذين يستوردون البضائع والمواد الغذائية والاستهلاكية السيئة الجودة خونة!
والذين ينثرون أموال الوطن في الملاهي الليلية خونة!
وهؤلاء جميعا هم جزء من منظومة الخيانة الخفية، ولكنهم، ومع جميع هذه المآسي، فإن انغماسهمبالخيانة جعل، غالبيتهم، كائنات خالية من الإحساس والضمير!
الدول التي يتمتع بخيراتها ثلة من الخونة والسراق جديرة بالبحث عن حياتها، وحاضرها ومستقبلها،وإلا فإن السكوت عن الخيانة والفساد هو بحدّ ذاته خيانة للنفس والوطن، ولهذا ينبغي على الشعوب الحرّة أن تعين الحكومات النقية، وبالطرق الحكيمة والقانونية، للقضاء على منابع الخيانة والفساد!
لنحترم الوطن ونحافظ عليه بقوانين لا تُسَن وفقا لمصالح ضيقة بل وفقا لمصلحة الوطن والمواطنين!
العمل الطاهر، والمال الناصع، والجهود الصافية،والقلوب المتلاحمة، والسواعد المتكاتفة قادرة على زراعة الأمل، واجتثاث الخونة والعملاء من الأرض حتى تعود الأوطان صافية نقية كما ينبغي.
dr_jasemj67@