18 ديسمبر، 2024 8:39 م

هؤلاء، من يتحدون، وبمن يمكرون !؟

هؤلاء، من يتحدون، وبمن يمكرون !؟

 أحلام البشر كبيرة، وحتى وصلنا لما نحن فيه اليوم، فما من تطور علمي تقني ومعرفي وفكري إلا نتاج تلك التركمات المعرفية والعلمية عبر العصور لكل البشرية، فالعلم لم يكن يوماً حكراً على إنسان دون آخر ولا أمة دون أخرى، إنما قد يزدهر هنا، ويضعف هناك، وفي فترة ما دون أخرى.
    ربما وصل العلم اليوم لمرحلة النضج في أوجه، إذ أمكن فك العديد من الشفرات المهمة التي قد تكمن فيها أسرار عن خلق الكون والإنسان.. ولهذا فمثل هذا الإنجاز يعني الكثير، بإمكان الطب على سبيل المثال معالجة الأمراض المستعصية العضوية الوراثية منها وغير الوراثية، وحتى الخلل العقلي الوظيفي، كذلك زراعة الأعضاء المفقودة، فعلم هندسة الجينات بعد فك شفرتها، سيمكن من تعديل، وربما تغيير الخلق ولأبعد الحدود. هذا، وناهيك عن التطور في ميادين السياسة وعلم النفس والاجتماع.. وما زال أمام البشرية الكثير.
    بالتأكيد، فأي إنجاز علمي فهو سلاح ذو حدين قد يستعمل في الشر كما في الخير، ولنا أن نتخيل ماذا سيحصل إن استعمل العلم الذي تحقق في مجالات تسيء للبشرية مثلما حصل في كل الإنجازات السابقة، كالإستعمال الشرير لآلة الحرب المتطورة، والحرب البايولوجية المهلكة للإنسان والحيوان والنبات، والتوظيف المسيء لقوانين التعلم التي توصل لها علماء النفس في التلاعب بالأفكار والمعتقدات، وتوجيهها مع أو ضد. وغير ذلك. المهم أن خيال الإنسان لا يقف عند حد، إلا أن أكثر ما يحلم به، تلك القوة الخارقة التي تمكنه من السيطرة على قوى الطبيعة، والبشر،  الاستحواذ على كل شيء وتحدي كل شيء، مع التغافل عن العواقب، والتغاضي عن الحدود… ووراء ذلك  الحلم، ذلك الصوت الداخلي المغرور الذي يقول ( أنا ربُكم الأعلَى ) والذي يتعاظم ويكبر كلما نال صاحبه أكثر فاكثر، وبالتالي ( فإذا هُو خصيمٌ مُبين ) .
   تناول كتاب روايات الخيال العلمي ذلك عبر العصور، فاخترعوا بخيالهم الرجل ذو المواصفات الخارقة وبشخصيات وأشكال متعددة، وصار معروفأ أن هذه الشخصيات فضلاً عن تلك المخترعات عادة ما ينسب الفضل فيها للقوى العالمية العظمى. فبعد ان فُند الإعتقاد الذي أشاعته الأنظمة والقوى الاستعمارية، بأن الذكاء والعبقرية لا يمتلكها إلا الإنسان الغربي، والتي استحوذت على الناس لعقود من الزمن، فيضطر من يحاول أن يثبت جدارته، أن يقف عند حدود معينة في كل ما ينوي عمله وانجازه، ويتركه لمن هو أجدر!!. فبعد الدراسات العلمية المبنية على التجربة، وجدت ما هو حقيقة في أصله، أن كل المجتمعات والأمم تتباين مستويات ذكاء أبنائها، والفرد أيا كان بغض النظر عن عرقه ولونه ولسانه..وفي أي بقعة من الأرض، قد يكون متفوقاً عقليا، أو عادياً أو أقل من ذلك. وما كان شائعاً بتعمد، ما هو إلا محاولات شريرة ماكرة لاستعباد الناس. واليوم بعد أن فضحت تلك الوسيلة الرخيصة في إخضاع البشر، لا تحاول تلك القوى إقناع العالم بأنهم أغبياء متخلفين..بل بأنهم ضعفاء. تحاول إقناع الناس أن لا حول ولا قوة لهم إلا بالخضوع التام للقوى العظمى شاءوا أم أبوا. وبالتأكيد لا يمكن نكران أن ميزان القوى في عصرنا مائل لهذه الأنظمة العالمية، ما يجعلها في المقدمة، إنما لا يمكن أن يكون إلى الأبد، فسنة الله في الحياة التغيير. المهم، ما حدود ما تريد الوصول إليه تلك القوى؟.
   تلك القوى ترى في نفسها أكثر من يعلم، وأكثر من سخر العلم لاكتساب القوة، وأنها من تتمثل فيها القوة الخارقة ما يعطيها الحق في السيطرة الكلية على العالم ومقدراته، وانها الأجدر في حمايته في الشدائد، وعادة ما تكون الشدائد التي تحاول جعل العالم يصدقها هي غزو الفضاء!. وكأنما قد حُلت كل معضلات العالم من تناحرات ومجاعات واعتداءات، وصار معروفاً أن أغلبها هي من تصنعها وعصاباتها، ولم يبق لنا غير إتقاء الغزو الآتي من العالم الخارجي!!. ومن هذا المنطلق، فعلى كل العالم الخضوع لهذه القوى ليضمنوا حمايتها، وسلامتهم حين ذلك الغزو!. وحتى ذلك الحين، فكل من لا يعترف بكل هذا فهو العدو الأول لها. ولو أننا تغاضينا عن موضوع الإيحاءات هذه، تارة بغباء العالمين، وأخرى بضعفهم، ورغم كونه مهما وجوهرياً، فموضوعاً مهماً آخر مرتبط به فيما يتعلق بأي إنجاز علمي تم تحقيقه واقعاً، أو على سبيل الحلم الذي يطمح لتحقيقه. فكلما تمكن علماء الغرب تحديداً من التوصل لابتكار علمي، وإذا بروح التحدي تتصاعد حتى تصل إلى مستوى الغرور والندِية للخالق.
    في أوائل القرن التاسع عشر، وكانت النهضة الصناعية في أوربا ماضية بسرعة واستطراد، تمكن مهندس شهير من تصميم سفينة عملاقة أطلق عليها (تايتانك) و كلمة (تايتان) قديمة تعني (شيطان) أو (الجبار) بمعنى من تجبر وتمرد على الخالق. إذاً، فاسم السفينة هو الشيطانة أو الجبارة لما لها من مواصفات رهيبة في ذلك الحين. غرقت السفينة بعد اصطدامها بقطعة جليد أصلها ماء. انتهت عظمة السفينة بلحظات وانتهى معها غرور صانعها.
   وقبل عقود مضت، عندما تبلورت فكرة الرجل ذو القوة الخارقة، وهي فكرة قديمة في الأصل. أصبح قصصا يقرأ عنها الناس، ومن ثم صارت القصص أفلام وجدت رواجاً عالمياً منقطع النظير في حينه، أخذ الناس يصدقونها أكثر فأكثر من الغرب والشرق، فالفكرة التي تتكرر ويتم التركيز عليها يمكن أن تصبح جزءاً من حياة الإنسان يحيا فيها ولأجلها. أما الغرب فركبهم الغرور أنهم المعنيون بهذا المخلوق، وسيتمكنون من خلقه يوما!!.
    مرت الأيام وإذا بأشهر ممثل لهذه الشخصية الخارقة يصاب بالشلل التام. لم يتمكن كل العلم الذي توصلت له البشرية منذ أن وجدت من تمكين هذا الإنسان حتى من تحريك شفتيه ليرتشف الماء إلا من خلال آلة، صار الرجل الخارق أضعف من أضعف مخلوق.
   في الثمانينيات من القرن الماضي، تمكن علماء الغرب من إنجاز مكوك فضاء عال التقنية أطلقوا عليه (شالنجر) ويعني (المتحدي) ومن يتحدى!؟ بعد لحظات من إطلاقه انفجر وما زال في أقرب نقطة للأرض لم يخرج بعد من سمائها القريبة. صدم العلماء وذهل الناس الذين تجمعوا وكل العالم.
     الطاغية الذي حكم العراق سنوات طويلة من الحروب والسنين العجاف وقتله الأبرياء وتشريده خلق الله..وبعد كل ذلك، في أواخر حكمه بفترة قصيرة، طبعت له صورة وزعت عنوة على الناس. كانت الصورة لشخصه، وفي خلفية الصورة العلم العراقي، لم يظهر من عبارة ( الله أكبر ) التي تزين العلم سوى كلمة ( أكبر) أما لفظ الجلالة فكان قد صار خلف صورة الطاغي (حاشى لله) فكان يبدو لناظر الصورة بشكل جلي المعنى من هذه التركيبة الغريبة للصورة. ويذكر أنه كان بيده قد خط هذه العبارة الكريمة، ليمكر ويوهم الناس باتكاله على الله، ويواري حقيقة ما في نفسه، فكان الله بالمرصاد. ما حصل أن ذهب الطاغي..، وبقيت العبارة التي تمجد الله رغم أنوف الكاذبين والماكرين ( يُخادِعون الله والذينَ أمنوا وما يَخدعُون إلا أنفُسَهُم وما يَشعُرون) وكذلك من قبل كان لكل متجبر مصير يلقاه ..
   بعد أن قررت إدارة الولايات المتحدة الأميركية بدورها المكر بالعراق باجتياحه باسم التحرير من الطاغي، ووراء مجيئها ما صار كل العالم يعرفه، وأهم من كل ما استهدفته الدين القيم، هذا الدين الذي يتحدى ويعظم مع كل التحديات وعبر كل العصور. قتلت ونهبت وزرعت الفتن، فتركت هذا البلد يضرب بعضه بعضا، وأوجدت أسباب هروب الناس من بلدانهم، والإرهاب باسم الدين الإسلامي، ليتشوه هذا الدين، ومن ثم يلفظه العالم، وحاشى لهذا أن يحدث. فما كان إلا مكر من الله أكبر (ويَمكُرونَ ويمكُر الله، واللهُ خيرُ المَاكِرِين). الذي حدث أن الناس في الغرب صاروا يسمعون عن جرم الإدارة الإميركية وقتلها الأبرياء، وأخذوا يتفحصون ما يحدث، فضلاً عن أن هجرة الناس من بلاد المسلمين إلى الغرب أدناه وأقصاه، أن بدأ العالم يتعرف على المسلمين ودينهم عن كثب ومن قبل كانوا عنهم غافلين، ليدركوا أنه دين السماحة والتسامح والتقبل، وأن كثير من المسلمين قد ظُلموا لسنوات طوال من قبل حكامهم في تعسفهم، ومن العالم باستهجانه لهم،. اليوم ينتشر الإسلام في كل بقاع الأرض، وما عند الله أكثر. نقول، أولئك بمن ظنوا أنهم مكروا، ومن تحدوا؟  واليوم، هؤلاء الذين يظنون أن الأمور قد آلت إليهم وأنهم قد كسبوا، فبمن يظنون أنهم يمكرون!؟ ومن يتحدون!؟ (أَ أ َمِنُوا مَكَر الله) !؟.