غَنِيٌّ عَنِ البَيَانِ أَنَّ ظاهرةَ فاقدات المُعِيل فِي العراق، وَالَّتِي شهدت خلال العقود الثلاثة الماضية تزايداً ملحوظاً فِي أعدادِ النِسَاء المنكوبات بفقدِ مَنْ يُعينُهن وَيَتَكَفَّل بِمَعيشَةِ أسَرَهن، تُعَد مُشْكِلة مؤرقة لأغلبِ الشرائح الاجْتِماعِيَّة فِي بلادِنا؛ بالنظرِ لخطورةِ آثارها عَلَى عمليةِ الاستقرار الاجْتِماعِيَّ الَّتِي تزداد حدتها يوماً بعد آخر نتيجة خيبة الإدارات الحُكُومية المعنية بإيجادِ الحلول والمعالجات فِي ظلِ تفاقم أعداد هذه الشَرِيحَة المبتلات بالفقرِ والعوزِ وَالاكتواء بجمرِ أتون المأساة عَلَى خلفيةِ عواملٍ عدة، فِي الْمُقَدِّمَةِ مِنها تداعيات الحروب وَالعمليات الإرهابية، وَالَّتِي ما تزال تطال المواطنين بمختلفِ مناطق البلاد.
إنَّ شَرِيحَةَ النِسَاء المهمشات فِي العراق المتمثلة بالأَرامِلِ وَالمطلقات وَالمتعففات، وَالَّتِي تعددت عوامل بلورتها وَتباينت مشارب نُضْجِها، تحولت إلى محنةٍ وَطَنيّة قبل أَنْ تكون قَضِيَّة إنسانيَّة بفعلِ فاعلية أبعادها النَفْسِيَّة وَالثقافيَّة وَالاقتصاديَّة وَالاجْتِماعِيَّة بعد أَنْ أصبح مِن المُسَلَّمِ بِهِ عند المَسْؤُول قبل عامة الناس أنَّ مُهِمّةَ القضاء عَلَى مسبباتِها أو الحد مِن تفاقمِ معدلات نُمُوّها ما تَزال رهينة الإخفاقِ الحُكُومي. إذ تشير البيانات الرسمية الَّتِي أعلنتها وِزَارَة التَّخْطِيط العراقيّة مطلع آب مِن العامِ الجاري 2016 م إلى أنَّ العراق تعيش فِيه (850 ) ألف أَرْمَلة مِن سنِ ( ١٢ ) سنة فما فوق، فضلاً عَنْ (600 ) ألف طفل يتيم مِن سنِ الولادة إلى ( ١٧ ) سنة، مع العرضِ أنَّ هَذه البيانات، وَالَّتِي تشمل إقليم كردستان، افتقرت إلى الاحصائياتِ الخاصة بهذه الشَرِيحَةِ فِي محافظتي الأنبار ونينوى بحسبِ المتحدث الرسمي لوِزَارَةِ التَّخْطِيط بفعلِ الظروف الأمنية، فِي وقتٍ تؤكد فِيه منظمات حُقُوقية غير حُكُومية مَحَلِّيَّة وَأُمَميَّة عَلَى أنَّ الأعدادَ الحقيقية للأَرامِلِ والأيتام فِي العراق أكثر بكثيرٍ عَنْ ما ورد فِي أحدثِ الاحصائياتِ الحُكُومية الصادرة هَذَا العام عِن الجهازِ المركزي للإحصاء، وَالَّتِي أنجزت بدعمٍ مِن البنك المركزي العراقي، إلَى جانبِ مساهمةِ المنظمات الدولية العاملة فِي البلاد. وَمِن المهمِ التنويه هنا إلى إحصائيةٍ دولية تؤكدها منظمات المجتمع المدني المعنية بالمرأةِ في العراق تشير إلى أنَّ عددَ الأَرامِلِ فِي البلادِ وصل إلى أكثرِ مِن ثلاثةِ ملايين أَرْمَلة.
لا رَيْبَ أَنَّ تباينَ آراء المتخصصين والمهتمين بشؤونِ المرأة حَوْلَ بيانات وِزَارَة التَّخْطِيط، لا يعني التقليل مِن حجمِ هذه المُشْكِلة الإنسانيَّة الكبيرة، وَالَّتِي تنامت آفاقها لتصبح أَزْمَة تفرض عَلَى السلطتينِ التَّشريعيَّة وَالتَّنْفيذِيَّة عملاً جدياً لأجلِ تشريعِ قانُون جديد بوسعِ مضامينِه مواجهة خطورة التداعيات المترتبة عَلَى هذه الأَزْمَة، فضلاً عَنْ تحفيزِ منظمات الْمُجْتَمَع المدني ودعمها بقصدِ التواصل وَالتنسيق الفعال مع جميعِ المنظمات غير الحُكُومية الإقليمية والعالمية مِن أجلِ المساهمة فِي مُهِمّةِ تقويض مصادر ديمومة معاناة هذه الشَرِيحَةِ، ولاسيَّما ما يتعلّق مِنها بعيشِ الأطفال اليتامى أو عملهم فِي أماكنٍ يُحرم دولياً وجود الأطفال فيها.
لا مغالاة في القولِ إنَّ الصعوباتَ الاقتصاديَّة فِي مقدمةِ المشكلات، الَّتِي تعانيها شريحة النِسَاء فاقدات المُعِيل فِي البلاد، إذ أنَّ رواتبَ شبكة الحماية الاجْتِماعِيَّة لم تُعَد بحسبِ المتخصصين كافية لتغطيةِ الحد الأدنى مِن متطلباتِ الحياة الإنسانيَّة لأسرِ مَنْ وجدنَ أنفسهن فِي لحظةٍ صادمة مِن دونِ راعٍ، ولاسيَّما ما يتعلق منها بالقدرةِ على الإنفاقِ مِن أجلِ تأمينِ احتياجات أطفالهن ودفع بدلات الإيجار، حيث ينظر بعض أعضاء الحُكُومة العراقيّة، فضلاً عَن المنظماتِ غير الحُكُومية إلى مرتباتِ هذه الشَرِيحَةِ بوصفِها امتهان لكرامةِ المرأة العراقيّة بعد أنْ فرضتْ ظروف المعيشة عَلَى بعضِ فاقدات المُعِيل الدخول إلى ميدانِ التسول فِي الأسواقِ والطرقات، بالإضافةِ إلى تعرضِ الكثير مِن النِسَاءِ الباحثات عَنْ فرصِ عملٍ إلى المساومةِ والابتزاز. وهو الأمر الَذي يلزم الحُكُومة العمل عَلَى مساعدةِ هذه الشَرِيحَةِ وزيادة مخصصاتها بقصدِ تمتعها بحياةٍ كريمة، فضلاً عن ركونِ الإدارات المعنية إلى برامجٍ رصينة بوسعِها التخفيف عَنْ كاهلِ عشرات النساء، وَالَّتِي مِن بينِها الشروع بإقامةِ برامجٍ تأهيلية داعمة لمُجْتَمَعِ الأَرامِلِ وَالمطلقات وَالمتعففات بقصدِ تأهيلهن للعملِ تمهيداً لسعي مختلف الإدارات في محاولةِ توفير فرص عملٍ لهن عبر آلية تَّشريعيَّة تضمن لهن نسبة مِن فرصِ التعيينات، بالإضافةِ إلى اهتداءِ المؤسسات والدوائر المعنية بهذا الأمرِ إلى خططٍ منظمة يفضي تنفيذها إلى تدريبِ بعض الأَرامِلِ وَالمطلقات وَالمتعففات لأجلِ تمكين دور المرأة فِي الْمُجْتَمَع ورفع قدراتها، ولاسيَّما حملة الشهادات عَلَى إدارةِ مشروعاتٍ إِنْتَاجية صغيرة مِن شأنِها إنقاذ أسرهن مِن شظفِ العيش، إلى جانبِ ما تعود به هذه الفعالياتِ مِن نفعٍ عَلَى الاقْتِصَادِ الوَطَني، فضلاً عَنْ مساهمتِها بمهمةِ الاستقرار الاِجْتِمَاعِيّ. ويضاف إلى ذلك إيلاء الدوائر المعنية لمهمةِ رفع مستوى الأَرامِلِ وَالمطلقات وَالمتعففات محدودات الكَفاءَة وَالتَّعْلِيم أَهمِّيَّة خاصة.
إنَّ واقعَ الحال المزري الَّذِي ترزح تحت وطأته فاقدات المُعِيل، يلزم الجهات المعنية مواجهته بسياساتٍ فاعلة مِن شأنِها النهوض بشؤونِ هذه الشَرِيحَةِ عبر ما ينبغي اتخاذه مِن التدابيرِ الإجراءات الَّتِي بمقدورها حفظ كرامة النِسَاء مِن الأَرامِلِ والمطلقات وَالمتعففات، وَالّلائي بلغ عدد المسجلات منهن فِي وِزارَةِ العَمَل وَالشُؤُون الاجْتِماعِيَّة لغايةِ نهاية عام 2009 م نحو (250 ) ألف امرأة بحسبِ بيانات هذه الوِزَارَة.
مِن المهمِ الإشارة هنا إلى ضرورةِ مشاركة مفاصل القِطاع الخاص، إلى جانبِ منظمات الْمُجْتَمَع المدني فِي مُهِمّةِ تطوير وَتَّنْمِيَة قدرات المرأة فاقدة المُعِيل، وَمساعدتها لاستغلالِ أقصى إمكانياتها بقصدِ تمكينها مِن خلالِ تدريبها، وَإتاحة فرص عَمَل لها، إلى جانبِ توفيرِ الفرص التسويقية لمنتجاتِها لأجلِ تحسين أوضاعها الحياتية وَرفع مكانتها الاجْتِمَاعِيَّة وَالمساهمة بزيادةِ تأثير مشاركتها فِي عمليةِ استقرار الْمُجْتَمَع المحلي.
رفقاً بعراقياتٍ فُرِضَ عليهن خوض معركة مِن نمطٍ خاص، لأجلِ البقاء وسط مشهد مُشْبَع بالأزماتِ بعد أَنْ تحطمتْ أعمدة بيوتهن بفعلِ تغييب عوامل عدة، ولاسيَّما العمليات الإرهابية مَنْ كان يعيلهن!!.
في أمانِ الله.