23 ديسمبر، 2024 12:58 م

نُريد وطن…ثورة البُطون الجائعة التي سَرقها الأوغاد

نُريد وطن…ثورة البُطون الجائعة التي سَرقها الأوغاد

الأغلبية الصامتة التي كانت دائماً ماتُراهِن عليها الطبقة السياسية في صبرها وإسّتكانتها ورضوخها للأمر الواقع فاجأت المنظومة الحاكمة بإنتفاضة جماهيرية خرجت من خارج عباءة الأحزاب الحاكمة، كانت بِحق ثورة أحدثت ذلك الزلزال في النظام السياسي بتشرين الأول من عام 2019 إستحقّت ذلك الثمن الباهض والغالي من إستنزاف أرواح أكثر من (700) شهيد وآلاف الجرحى والمعوّقين إنتهت خواتيمها بكوميديا سوداء إستغلّتها الأحزاب الحاكمة لتدوير الوجوه وتبديل اللاعبين مثل المَثل العراقي (بدّلنا علّاوي بِعليوي) فكانت فُرصة ذهبية لِمُراجعة آيدولوجياتها السُلطوية وتغيير ألوانها كالحرباء حين تَشعر أنَّ خطراً ما قادم لِتستمر ديمومة حياة السُلطة والنفوذ لهذه الطبقة الفاسدة والفاشلة مُتوهّمة أو واهمة إستمرار الحال من دوام المُحال.

ومع إقتراب الذكرى الثالثة لهذه الإنتفاضة التي سُمّيت (تشرين) يبدو أن هذه الأغلبية بدأت تستعيد أنفاسها وتُراجع هَفواتها وتُحاول الإنقضاض مرة أخرى على الصبّات الكونكريتية التي حَصّنت السُلطة أسوارها وقصورها، وربما تُحاول التبرأ من الذين صَعدوا على جماجم ثوارها لِيرتقوا المناصب في هذه السُلطة التي خرجوا ضدها، في مُحاولة لمنع تدنيس ذلك الشعار المُهيب الذي رفعوه (نُريد وطن) ولو كان هناك من يستحق شُكر وتقدير الأحزاب الحاكمة على منع الثوار من الوصول إلى مقراتهم وقصورهم لرفعوا القُبعات إمتناناً وعِرفاناً لِجائحة كورونا التي أوقفتْ هذا المّد التشريني حين إستوجب إنتشار الوباء مُلازمة البيوت ومنع الإختلاط، وخُدعة السُلطة التي إستدرجت بعض من يُسمون أنفسهم قادة تشرين إلى فخها فيما أصبح بعضهم تحت التُراب بينما إنزوى الآخرون في زوايا غُرفهم المُظلمة مُعوّقين أو جرحى أو مُهاجرين إلى خارج الحدود.

أكادُ أُجزم أن أغلب الذين دخلوا قُبّة البرلمان بأسم الشعب تحت مُسمّيات ثواره وشُهدائه لايعرفون من هو نيلسون مانديلا أو حتى سَمِعوا بِمقولته الشهيرة (إذا قَبضتُ المال ثمناً لِنضالي فسوف أتحوّل من مُناضل إلى مُرتَزِق) وقد يَسرح بأحدهم خياله الواسع وشيطانه الذي يوسوس له بأن الثورة غاية تُبرر للثائر المزعوم أن يصعد إلى السُلطة على رؤوس الجماجم وهو يدهسها.

في المُحصلة المُنتفض لا يرسم لنفسه صورة فيسبوكية وهو يدخل قُبّة البرلمان بـ(التوك توك) أو خِطاباته الرنّانة بأنه زاهد في إمتيازات وهِبات السُلطة، فِعل الثائر ليس ثرثرة كلام وصخب صُراخ في الفضائيات بأنه خير من يُمثّل أولئك الذين إستغفلهم بلحظة من الزمن حين أقنعهم بِصِدق نواياه وأهدافه المُقدّسة.

ماسيكتبُه التاريخ عن هذه الثورة أنها كانت بدايات للتغيير وذات أهداف نبيلة، لكن أصحاب السوء من الطرف (الثالث والرابع…..) إستغلوها أبشع إستغلال لأغراضهم الدنيئة بأسم هؤلاء الثُوّار والشهداء، حين إستدرجت السُلطة بعضهم إلى واحاتها فأصبحوا عناوين لها ولأدواتها السُلطوية وجُزءاً من نظام مُشوّه خرجوا من أجل إزالته، فهنيئاً لهم بِجائزة السُقوط في وحل السُلطة.

من المؤكد أن كلمات مانديلا عندما قال “أن الفاسدين لايبنون وطناً، إنما هم يبنون ذاتهم ويُفسدون أوطانهم” في وصف أولئك الذين إنظمّوا إلى صف المنظومة السياسية التي تُحاول اليوم نصب الصبّات تلو الصبّات لمنع تدفق الحشود البشرية نحو منطقتهم الخضراء لكنها لاتعلم أن الشعب عندما يرفع أول صبّة منصوبة في طريقه فإن سُقوط السُلطة آتٍ لا محالة، تكبيرات نُريد وطن التي صدحت بها أصوات البطون الجائعة مُعلِنة البدأ في شعائر التغيير والإنتفاض من واقع القهر والظُلم وعَبث الذين حكموا العراق بعد عام 2003 وعاثوا فيه فساداً لِتعلوا أصواتهم في الشوارع والساحات “حيَّ على الثورة…حيَّ على الإنتفاضة”.