المرة الأخيرة التي زار فيها رئيس الوزراء نوري المالكي البيت الأبيض في كانون الأول من عام 2011، كانت حول إنعاش الأمل حيث كان هو وأوباما قد أنهيا الاحتلال العسكري الذي دام ثماني سنوات بهدف قلب صفحة جديدة وتأسيس علاقة طبيعية بين البلدين السياديين.إلا ان المالكي لم يلتزم من جهته بالشراكة. حينها أثنى أوباما على ضيفه بصفته “الرئيس المنتخب لعراق ديمقراطي ذي سيادة يعتمد على نفسه”، لكنه تفاجأ عندما رآه يعود الى بغداد ويبدأ بتنفيذ قمع استبدادي ضد القادة السياسيين من السنّة – أعضاء حكومة الشراكة المدعومة من الولايات المتحدة.واستمرت الأزمة السياسية التي أشعلها المالكي، وتسببت في تقويض سنوات من الجهود الأميركية لدمج العرب السنّة في العملية السياسية. وازدادت التوترات سوءاً بعد ان تحولت الحرب الأهلية في سوريا الى حرب طائفية إقليمية بالوكالة.لقد نفخ عدم الاستقرار حياةً جديدة في التمرد السني في العراق، وجدّد شباب وثقة المسلحين، ونخر تعاون شيوخ العشائر الذين حسموا الموقف خلال عملية ادامة الزخم الأميركية عام 2007. وتصاعد العنف في البلاد الى مستويات لم تشهدها منذ 2008 حتى وصلت إلى الف فاجعة في الشهر الواحد؛ كما اكتسبت القاعدة المزيد من القوة في العراق؛ وازداد تهديد عودة المليشيا الشيعية؛ وازدادت المخاوف من عودة دوائر الانتقام الطائفي.وسط هذه العاصفة، من المقرر ان يعود المالكي الى البيت الأبيض خلال الأسبوع الحالي، باحثا عن المساعدة الأمنية من الولايات المتحدة.ان محاربة الإرهاب تمثل مصلحة مشتركة، لكن مع استعداد المالكي للسعي الى ولاية ثالثة في 2014، فمن واجب أوباما ان يصر على التمسك بالمعايير الديمقراطية كشرط للمساعدة الأميركية.ومنذ ان ضمن المالكي ولاية ثانية، أصبح اكثر تخندقا من خلال حملة منظمة لتوطيد السلطة وتطهير القوات الأمنية من غير الموالين.وبعد ان حصل على المنصب من خلال توافق بين القوى السياسية الأقوى، تميزت عقيدة حكمه برغبة البقاء. بالنسبة له لا تعتبر القومية والطائفية أيديولوجيات بقدر ما هي أدوات لتحقيق مصالحه السياسية.ومع كون المالكي مثيرا للمتاعب، فانه لم يتجذر في العلل التي يعاني منها العراق. وفي الواقع انه اذا ما تنحى في انتخابات العام المقبل فان ذلك لن يغير لا أولوية البقاء في الحياة السياسية العراقية ولا الأساليب الضيقة التي تخدم فيها الطبقة السياسية مصالحها الخاصة.ان وجود غريزة البقاء فوق كل شيء هي إرث لدولة مهشمة المؤسسات، وإرث لسياسة الخوف، ولنسيج اجتماعي متوتر مع شعور باهت بالتلاحم الوطني.ويعاني العراقيون من صدمة ناجمة عن عقد من الموت والدمار، ومن تاريخ طويل من العقوبات والحروب والطغيان. ان عدم رغبة النخب في الانخراط في مصالحة وطنية حقيقية، تديم انعدام الثقة المجتمعية وتضمن استمرار الطائفية.وتنخر الثقافة السياسية في العراق المؤسسات الديمقراطية التي تأسست في ظل الاحتلال. صحيح ان هناك دستور إلا ان العراق ليس دولة دستورية؛ البرلمان يشرّع القوانين إلا ان أحكام القانون انتقائية؛ الانتخابات هي مجرد لعبة لتقسيم الغنائم بين النخب الفاسدة؛ والحكومة تحصل على أرباح ضخمة من صادرات النفط لكنها تفشل في توفير الخدمات الأساسية بينما يعيش ما يقرب من ربع العراقيين تحت خط الفقر.ولم يظهر توازن قوى داخلي، وبدلا من ذلك فان النظام السياسي يحابي رئيس الوزراء على حساب السلطة التشريعية والقضائية وبقية الطبقة السياسية، ويحابي الحكومة المركزية على حساب الحكومات الإقليمية وحكومات المحافظات.ومن سيتعين على اوباما اعادة النظر في التوازن بين القوى الأميركية المتشددة واللينة في تأطير مستقبل العراق بدلا من الرهان على علاقة من طراز الحرب الباردة تركز على الأمن، وعلى الولايات المتحدة ان تتخذ وجهة نظر أوسع. كما سيتعين على أميركا ان تساعد في إعادة دمج العراق بالنظام الإقليمي، ويمكنها ان تساعد في تعميق وتوسيع التجارة الدولية للعراق وتحسين دوره في الدبلوماسية الإقليمية والمساعدة في تنويع اقتصاده الى ما وراء النفط الذي يشجع النخب على النهب.وداخل العراق، فان على الحكومة الأميركية ان تشجع على عملية انتخابية تقود الى حكومة أكثر تمثيلا. ويمكن للدوائر الانتخابية المبنية على الوحدات الجغرافية الصغيرة ان تمنح سلطة اكبر للشعب العراقي وتضمن ان يكون التنافس على السلطة والموارد داخل الطوائف وليس بينها، حيث سيسمح ذلك بتشكيل التحالفات في إنحاء التقسيمات الطائفية حول مصالح متبادلة. وأخيرا، يجب ان تبدو الولايات المتحدة وانها تدعم الشعب العراقي ككل وان لا تحابي أي فصيل أو شخص بعينه. وفي الوقت الذي تستمر فيه في شجب الإرهاب، على الولايات المتحدة أيضا ان تستنكر انتهاكات حقوق الإنسان.وفي اغلب الأحيان يسيء المالكي ترجمة الدعم الأميركي لحكومته على انه تفويض بسلوك عنيد لاهوادة فيه.وفوق كل شيء، على اوباما ان لا يفهم العراق بانه ديمقراطية ليبرالية، فإنها في أحسن الأحوال ديمقراطية بلا ديمقراطيين. فالعراقيون يستحقون أفضل من ذلك.