9 أبريل، 2024 12:00 ص
Search
Close this search box.

نيقولا حداد.. ألف باء الاشتراكية المصرية

Facebook
Twitter
LinkedIn

-1-

ابتداءً أود أن أعترف بإعجاب مسبق بنقولا حداد، فهو عم شهيدنا د. فريد حداد الذي جمعتني به وأنا لم أزل فتي صغير السن زنزانة ضيقة في قسم شرطة المنصورة لعديد من الأشهر وعلى يديه تعلمت واستمعت واستمتعت بحواراته الهادئة والمتقنة مع استاذ آخر هو الاستاذ أمين تكلا مدرس الفيزياء بمدرسة الملك الكامل الثانوية بالمنصورة . كان الاثنان متماسكين بهدوء رصين نادرا ما ينفعل أحدهما أو يدّعي ثورية في غير موضعها ومن هما تعلمت ولم أزل. كذلك أتذكر كل يوم نقولا حداد وأنا صاعد إلي المقر المركزي لحزب التجمع ففيه كان نادي طائفة الروم الكاثوليك وهناك تمترس نقولا حداد ليرأس النادي وليحوله بهدوء ودون ضجيج إلى مدرسة يلقي فيها محاضراته الاسبوعية وليعقد ندواته.. وفيه قضي ليلته الاخيرة، أتي موعد المحاضرة وحرارته اربعين وصمم ألا يخذل مستمعيه وألقي المحاضرة وفيما يمشي في شارع قصر النيل متجها إلى بيته رحل بهدوء.. كما عاش بهدوء.
ثم نبدأ.. أتى نقولا الحداد إلى مصر في مطلع القرن العشرين، كغيره من المثقفين الشوام فرارا من العسف العثماني الذي اغلق افواه وكسر أقلام الجميع، ويحكي في إحدى كتاباته كيف استمتع بجلسات قهوة متأنيا وما فيها من خطب وانشاد لقصائد كبار شعراء هذه الفترة.. وتوقف كثيرا أمام ابيات شعر أنشدها عبد الله النديم العائد من المنفى، وأكثر من مرة يكررها نقولا الحداد
إذ ما الدهر صافانا مرضنا
وأن عدنا إلى خطب شُفينا
صلينا يا هموم فقد عرفنــا
بأن الصلـبَ صلبٌ لا يلينا
لنا جلد علي جلد يقينــــــــا
إذا زاد البلا زدنا يقينـــــا
وإذا كان كثير من المثقفين الشوام الذين وفدوا لمصر قد انبهروا بما تركه لهم الحاكم البريطاني لورد كرومر من حرية في الكتابة الصحفية أو إصدار الكتب ليقولوا أي شيء في أي مجال فكري أو ديني أو علمي طالما لم يمسوا سلطات الاحتلال والقضية الوطنية المصرية . فإن اثنان فقط رفضا هذا الموقف لأنهما نظرا إلي واقع الشعب المصري وتعاطفا مع قضاياه ثم تلاحما معها ومعه وخاضا معركة المصريين ضد الاحتلال. وهكذا عاشا كمصريين وكتبا كمصريين وتقبل الشعب المصري كتاباتهما ونضالاتهما كمصريين. ويعلن نقولا الحداد موقفا واضحا ساطعا مع الشعب المصري وقضية تحرره ففي الوقت الذي أهدى فيه أحد القادمين الشوام كتابا له إلى كرومر ونشر صورة كرومر على غلاف كتابه وتحتها عبارة “منقذ مصر” كتب نقولا الحداد مقالا قال فيه “إن تحرير مصر من الاحتلال الانكليزي هو أمنية كل مصري، وما من مصري يقبل مناقشة فيه، ولو قلت له أن هؤلاء الانكليز من خدم النبي محمد لأصرَّ على القول، لا أريدهم فهو في هذا الامر لا يقبل مناقشة”. وفي مصر التقى نقولا مع مفكر شامي آخر هو فرح انطون واتفقت مشاربهما على رفض الاحتلال والمشاركة في معركة الشعب المصري وفي معركة تحرره. وعندما أتت روز شقيقة فرح كانت هي ايضا تتقد ثورية وتزوجها نيقولا. ومن هذه اللحظة اصبح من الصعب الكتابة عن أحدهما منفصلا عن الآخر. وتروي روز قصة حضورها إلى مصر في مجلة “السيدات والرجال” التي ساعدها فرح ونقولا في اصدارها (السنة الرابعة- عدد سبتمبر 1923- ص 123) فتقول “كان فرح ينتظر حتى ينتهي أخوه من دراسته الجامعية في الشام كي يحضر إلى مصر ليعاونه في نشاطه. لكن أخاه يموت عقب انهاء دراسته مباشرة فتكتب اليه روز “إني شاعرة بخسارة العائلة، وأرى أنك خسرت أخا كان ينتظر أن يكون مساعدا لك. فأود أن أكون أنا مساعدة لك بدل الأخ الذي فقدناه وأشعر أنني استطيع ذلك” ويرفض فرح.. لكن روز اصرت وحضرت لتقوم بمساعدة فرح في مجلة “السيدات والبنات”، ولتكتب فيها مقالات غاية في الرقة والابداع وتفيض بثقافة موسوعية كثقافة أخيها فرح، وقد ردد البعض أن مقالات روز في مجلة “السيدات والبنات” هي في واقع الأمر بقلم فرح انطون وينفي فرح ذلك بشدة مؤكدا أنه هو الذي يستفيد من روز ومن أصالة رأيها، وأنه ما من مقال كتبه في مجلة الجامعة إلا وعرضه عليها لتبدي رأيها فيه وأنه دائما يضع رأيها في الاعتبار.المهم أصبح هناك ثالوث مستنير بزواج نقولا بروز وعملوا معا في معركة الكتابة والثقافة والفكر المتحرر والليبرالية. ونكمل قصة الثالوث في عدد “السيدات والرجال” (المرجع السابق) ونقرأ “وفي سنة 1907 اقترح على فرح ابن عمه الخواجة الياس انطون التاجر في نيويورك أن يرحل إلي امريكا لتولي العمل الصحفي فيها على اعتقاد أن الجالية السورية هناك حقل واسع لبث المبادئ الحرة. واتفق الثالوث على السفر لاصدار مجلة الجامعة هناك (وكانت الجامعة تتعثر بسبب ضعف الامكانيات ومطاردات سلطة الاحتلال) ويسافر الثلاثة فرح – روز- نقولا “وبينما كانت “الجامعة” تتعثر ايضا في نيويورك بسبب الازمات المالية وقلة المهتمين بالقراءة من الجالية السورية هزت العالم انباء الانقلاب العثماني.. وكان فرح بعيدا عن نيويورك فيكتب إلى نقولا قائلا “أن سروري بهذا الانقلاب كان عظيما حتى انه مر عليّ يومان وأنا لا أنام من شدة التأثر. لقد حان الوقت للعمل والنهوض بالأمم الشرقية التي استيقظت من سباتها” (المرجع السابق) واتفق الثلاثي على العودة. ولكن إذا كانت المهمة هي “النهوض بالأمم الشرقية” فلماذا إلى مصر بالذات؟ يقول نقولا “عندها عدت إلى مصر، الوطن الذي قضينا عهد الشبيبة فيه، وهو المركز الأوسط لجميع العالم، ومنه تنتشر الخدم الوطنية الادبية انتشار الاشعة إلى جميع الجهات”.
وواصل نقولا الحداد.. معاركه. ونواصل معه.
نقلا عن المدى

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب