ونبدأ مع نقولا حداد عبر كتابه “الاشتراكية” محاولين قدر الإمكان أن نقدّم للقارئ كتاباً تعلّم منه الاشتراكيون المصريون الأوائل مبادئ الاشتراكية. والنسخة التي بين أيدينا هي الطبعة الاولي الصادرة عن دار الهلال عام 1920 (طبع بمطبعة الهلال بشارع نوبار نمرة/4 بمصر).
وفي البداية نقرأ “كلمة من ادارة الهلال، تقول “لقد أصبح للاشتراكية شأن عظيم في حياة الشعوب الغربية ولاسيما بعد الحرب العظمي، فجدير بقرّاء العربية أن يطّلعوا علي حقيقة هذا المذهب وقضاياه ومراميه إلي غير ذلك من المباحث الخطيرة الدائرة علي اصلاح المجتمع العمراني، ولما كانت اللغة العربية مفتقرة إلي كتاب في هذا الموضوع فقد طلبنا إلى الكاتب الاجتماعي نقولا افندي الحداد وضع مؤلف وجيز لسد هذا النقص، وها هو ذلك المؤلف نقدمه إلي القرّاء، ويقيننا أنه يقع لديهم موقعاً حسناً ويعينهم على فهم دقائق المشكلة الاجتماعية الكبرى سواء وافقوا على العقيدة الاشتراكية أو لم يوافقوا فإن غاية هذا الكتاب هي شرح تلك العقيدة اعتماداً على كتابات زعمائها، وبيان حججهم ونظرياتهم وطرق تطبيقها.. وليست غايته نشر الدعوة الاشتراكية أو الحث على الانخراط في سلك الاحزاب الاشتراكية- دار الهلال. (ونلاحظ أن الهلال حرصت على أن تتبرأ من الدعاية للاشتراكية أو الحث على الانتظام في الاحزاب الاشتراكية)
ونبدأ مع نقولا في مقدمة تقول “ليس في هذا الكتاب متسع لتفصيل تاريخ العقيدة الاشتراكية وتطوراتها وشرح مبادئ الاشتراكيين ومذاهبهم المختلفة، لأن الغرض الأساسي منه بيان روح العقيدة الاشتراكية الحديثة التي اجمع عليها السواد الاعظم من اصحاب الحركة الاشتراكية في اوروبا وأمريكا”. ويقول “نعم أن برامج الاحزاب السياسية الاشتراكية في الممالك الديمقراطية تختلف اختلافات متعددة وبعض هذه الاختلافات جوهري على أنَّ روح العقيدة التي تحيي أبدان هذه الاحزاب واحدة” ثم يمضي نقولا مفسرا اسباب هذه الاختلافات قائلا “وما تضاربت الآراء والاقوال في أدوار نشوئها إلا لأن النظام الافرادي الحاضر قد اصبح على التمادي راسخاً في العقل الاجتماعي، واحلال الدخيل مهما كان صواباً مكان الاصيل مهما كان خاطئاً لا يتسنى بسهولة، ولهذا تعذر على العقل الاجتماعي جحود عقيدة الافرادية واعتناق عقيدة الاشتراكية دفعة واحدة، وهذا هو سر تدرج الحركة الاشتراكية وتطورها، وسبب التضارب في آراء أهل الحركة واختلال مذاهبم” ثم يفسر لنا نقولا كلمة “الافرادي” فيقول وردت في ما تقدم عبارتان قد تغمضان على بعض القراء وهما النظام الافرادي والعقيدة الافرادية فلابد من تفسيرهما لأننا نتوخي البساطة في الكتابة وتقريبها إلى الإفهام، فالمراد من ” الافرادية” النظام الحاضر الذي يطلق العنان لسنة التنازع بين الافراد بحيث يمكن للقوي أن يتمتع بقيمة تعب الضعيف، أو على الاقل يمكنه من مقاسمته قيمة عمله وبعبارة اخرى يسمح للقوي أن يعيش عالة على الضعيف، وهذا نقيض الاشتراكية التي تقضي بأن يتمتع كل فرد بقيمة تعبه كلها على اعتبار أن الناس وهم مشتركون في الاعمال يجب أن يتقاسموا ثمراتها كل على قدر قيمة عمله” ثم يمضي نقولا موضحاً “ولابد من استدرك امر قبل أن يغرس في ذهن القارئ تفادياً لما يوهمه البعض لتشويه روح الاشتراكية، إذ يزعمون أن روح الاشتراكية منافية للحق الفردي وقاتله لحرية الفرد وماحقة للاعمال الكبيرة التي لا تقوم إلا باشتراك مستثمرين واستخدام عمال، فالحقيقة عكس ذلك، وسوف يرى القارئ أن النظام الاشتراكي هو اشتراكي في ثمراتها وسيتضح له أن المستثمرين أنفسهم اصبحوا ضحية النظام الافرادي مثل العمال، وأن نوائب النظام الحاضر تنقض على الرؤوس العالية قبل الرؤوس السفلى. وأن النظام الاشتراكي يكفل سعادة الضعفاء من غير انقاص شيء من سعادة الاقوياء ما دامت الكرة الارضية رحبة أمام أهلها وفي مواردها الطبيعية ما يكفي أضعاف عدد الجنس البشري الحاضر”، ثم يفسر نقولا سر كتابته البسيطة وغير المعقدة فيقول “ولما كنا نعتقد أن هذا الكتاب هو أول كتاب ينشر في العربية عن الاشتراكية رأينا أن يكون غاية في البساطة حتى يفهمه أي قارئ ولاسيما أن الحركة الاشتراكية لم تنتشر بعد في اقطارنا الشرقية بعد، وأن العالمين بها وبمبادئها من العامة قليلون. وذلك لأن الاشتراكية تلي سيادة الديمقراطية وأن الديمقراطية تسبق بينما الاشتراكية سائرة وراءها . ولكن الديمقراطية معدومة في الشرق الادني أو أنها لم تزل في فجرها وشمسها لم تشرق بعد. ولهذا السبب اضطررنا أن نبدأ كتاتبنا عن الموضوع بالإشارة إلى بعض المباحث الاقتصادية كنشوء قيمة الارض ورأس المال والفائدة حتى يفهم القارئ سر خروج المجتمع البشري عن صراط العدالة والانصاف في المجال الاقتصادي، ويعلم سبب الظلم الذي طرأ على فريق من البشر فقاموا بسببه ينادون بالاشتراكية. ولما كان مجال هذا الكتيب محدوداً ولا متسع فيه للاسهاب فقد اضطررنا إلى عدم التفصيل في كثير من الأبحاث.. ثم يقول فما هذا الكتاب الصغير إلا مقدمة لمؤلف أو مؤلفات مطولة لهذا الموضوع الخطير الشأن.. والمتسع المجال لمن هو اكفأ من المؤلف وأوسع علماً واطلاعاً. وهو الأمر الذي حققه نقولا عبر كتابات أخرى متعددة وأن لم تستمتع بعنوان الاشتراكية، وإنما ضمنها كتابات ومقالات وكتاب ضخم من جزأين هو كتاب ” علم الاجتماع” الذي تحدث فيه طويلا عن افكار كارل ماركس وشرح عديدا من مقولاته، لكن نقولا يعتبر أن معركته الاساسية هي “الحرية” ألم يقل من البداية أن الحرية تأتي ثم تتلوها الاشتراكية، وقد قاده هذا الاعتقاد إلى هجوم عنيف ايضا علي قادة الاتحاد السوفييتي لأنهم لم يحترموا الحرية..
ولكن لنبدأ أولاً بالتعرّف ولو بإيجاز شديد على كتاب الاشتراكية.. ثم نأتي إلى ما بعده.
ونواصل
نقلا عن المدى