ما أن يطل علينا شهر نيسان حتى تنثال عواطفنا بذكرياتهِ الوطنية النضالية العزيزة على شعبنا . ففي بدايته يستنفر الفلاحون لتهيئة المعدات واللوازم الضرورية ، وتشرئب أعناقهم لمراقبة حقولهم وتَفَحُصِّ السلاميات العليا ” التي تحمل السنابل ” والتأكد من إصفرارها إيذاناً لبدء موسم الحصاد للحنطة والشعير ، وعادة ً ما يكون هذا في أوائِلِ نيسان من كل عام للحصاد اليدوي ، وسط فرحة وابتهاج بخيرهِ تتخللها الأغاني والأهازيج الشعبية للتقليل من الشعور بالتعب وشحذِ هِمة الحواصيد .
*****
وفي الرابع من نيسان نستذكر معركة الفلوجة الأولى (2004) التي جسدت شجاعة وبسالة شعبنا في رفضهِ ومقاومتهِ للقوات الأمريكية الغازية التي عجزت عن اقتحام المدينة على الرغم من إمتلاكها لأضخم ترسانات الأسلحة ، ناهيكم عن استخدامها للسلاح المحرم دولياً كالنووي المحدود والقنابل العنقودية والفسفورية . لقد قاتل الفلوجيون ومن إلتحق بهم من رجال المقاومة البطلة على مدى ثمانية وعشرون يوماً ، قتالاً ضروساً باسلاً ، أظهروا فيه تمتعهم بالروح المعنوية العالية المستمدة من إرتباطهم الوثيق بأرض العراق ، فرفعوا بها رؤوسنا كعراقيين وأكدوا للعالم أجمع ان شعبنا حيٌّ يرفض الغزاة والمحتلين بكافة أشكالهم وصورهم .
*****
أما السابع من نيسان فيستقبلُ فيه البعثيون واصدقاؤهم في العراق وسائر أقطار الأمة الذكرى الثالثة والسبعين لتأسيس حزبهم المناضل حزب البعث العربي الإشتراكي .
لقد أسس البعثيون الرواد حزبهم وأعلنوا عنه في ربيع نيسان 1947 ، فصار ربيعاً للأمة العربية من المحيط الى الخليج ، ولاشك ان البعث كان ومازال يُمثلُ ضمير الأمة الحيّ وقلبها النابض بالعروبة ولسان حال جماهيرها المُعبِر عن تطلعاتها نحو الوحدة والحرية والإشتراكية .
وقاد بجدارة العديد من معاركها الكفاحية التحررية ، وأسهم في رفع شأن العراق وحمى البوابة الشرقية ، مدافعاً عنها أمام المد الفارسي الصفوي ، وشارك في كافة الحروب الدفاعية عن الأمة .
ولا ينكر المنصفون ما حققته تجربة البعث في العراق على مدى خمسة وثلاثون عاماً من إنجازات عظيمة ليس على الصعيد القطري فحسب بل على صعيد الأقطار العربية قاطبة ، باذلاً أقصى الجهود من اجل عزة ورفعة شعبنا العربي . إلا ان ذلك لم يَرُق لأمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني ودول الغرب عامة ، فكان لابد لهم من التآمر على تلك الثورة العملاقة التي تهدد مصالحهم الإستعمارية وتُعارض سرقة ونهب خيرات العرب وقضم أراضيهم من خلال الكيان اللقيط الذي زرعوه في قلب الوطن العربي ، علاوة على تنصيبهم النظام الإيراني العنصري شرطيّاً في منطقة الخليج يبتز دولها ويستمر في احتلاله للجزر العربية ولأرضِ الأحواز التي تُعادل في مساحتها دول الخليج كافة . فكانت نتيجة ذلك التآمر ، تجييش الجيوش الأمريكية والبريطانية وحلفائها الغربيين فغزو العراق واحتلوه بعد حصارٍ جائر لم يعهده العصر الحديث لثلاثة عشر سنة ، بَيّد ذلك كله لم يُسقط شعبية الحزب فهو اليوم يتمتع بحُبِ ابناء شعبنا العراقي العظيم وجموع جماهير الأمة ، ومازال يناضل مع بقية القوى الوطنية للإسهام في تقريب ساعة الخلاص من حكومة المنطقة الخضراء ” صنيعة امريكا وإيران ” والنصر لابد آت ، وكل آتٍ قريب .
*****
لنا مع نيسان ايضاً ، حدث ٌ مرير لايُعكِر خيرهُ وعطاؤه وصفاؤه فحسب ، بل يكادُ ينسفُ تلك الصفحات النيّرة من ذاكرتنا فيستعصي علينا استدعائها لتغلق الذاكرة دونها بابها وتمتثلُ امامنا صورة سوداء قاتمة للتاسعِ من نيسان 2003 ، ذلك الحدث الجلل الذي شَكَلّ انتكاسة خطيرة في حياة العراقيين والعرب ، تلك هي احتلال العراق ودخول قوات الغزو الأنجلو امريكي الباغية الى عاصمة المجد والحضارة ، فتتكالب عليه الدنيا وتنهال خناجر الغدر لِتُثخِن الجراح مُحاوِلة ً تقطيع أوصاله والعبث بنسيجهِ الوطني ، ليسود اللصيقُ على العريق والمُفتَعلُ على الصميم ، فأغرقوا البلاد بدماء ابنائها الزكية وهجروا وشرّدوا الملايين داخل وخارج القطر المستباح في لحظةٍ خُطِطَ وأ ُعِدَ لها منذ عقود خلت … حتى أطلقَ العراقيون على التاسعِ منه تسمية (( المشؤوم )) .
*****
وتهلُ علينا في السابعِ عشر منه ذكرى عزيزة غُرة ، تلك هي مناسبة تحرير مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم ” الفاو السامقة ” من براثن الفرس المجوس بعد إحتلالٍ دام قرابة سنتيّن .
شَكَلّ تحرير الفاو إنعطافة ً تأريخيّة ً غيّرت مسار الأحداث وعززت ثقة الجماهير العراقية بنفسها وقيادتها السياسية والعسكرية ، فعمّقت وأغنَت الروح الوطنية ورفعت المعنويات اضعاف ما كانت عليه قبل تحريرها ، ليقود ذلك الى توالي الإنتصارات على كافة القواطع والجبهات مُتوَّجة بيومِ النصرِ العظيم في 8/8/1988 ، ذلك اليوم الذي قضى فيه العراقيون على جميع الأحلام الخمينيّة التوسعيّة الطامعة بأرضِ العروبة .
*****
ومن بين ما يكتنزهُ هذا الشهر البديع الأغر من المناسبات، يوم الثامن والعشرون من نيسان ، ولادة الشهيد الخالد صدام حسين . تلك المناسبة التي أسمتها الجماهير العراقية والعربية بــــ ” الميلاد الميمون ” للقائد التأريخي .
وتجدر الإشارة هنا الى ان العراق عِبرَ تأريخه الحديث كان يفتقرُ الى القائد الرمز الذي يستطيع توحيد شعبه ويحظى بمقبوليّة الجميع ، ولا أظن ان حصلَ يوماً إجماعٌ وقبول على زعيمٍ او قائدٍ عراقي كما تحقق في الحظوةِ والرضى الشعبي الذي نالهُ الرئيس الشهيد ، إذ سعى جاهداً لرفعةِ وعزةِ العراق شعباً وارضاً ، وحرصَ على مُقدراتهِ وثرواتهِ ، ونجحَ في إلحاقهِ بمصافِ الدول المتقدمة ، فضلاً عن نجاحهِ ببناء شخصية الإنسان العراقي الجديد المُعَبأ بالروح الإنسانية والوطنية والحضارية ، ولاشك ان تلك الروح مازالت تنبضُ الى اليوم ، مُجسدةٌ بتمسكِ العراقيون في وحدتهم ورفضهم لكافة المخططات الساعية لتجزئة بلدهم ، كالدعوات الضاله الى الأقلمة والفدرله والبلقنه . ومما لا ريب فيه ان المتظاهرين الأبطال المشاركون اليوم في ثورة تشرين الأبية هُم ابناء واحفاد اولئك الأباة الذين نشأوا على فكرِ ومبادئ الخالد فينا (صدام حسين) ، فقاموا بتربية ابنائهم واحفادهم على ذات القيّم والمبادئ التي أنتجت لنا جيلاً فتيّاً لم يُشاهد ” صدام ” ولم يعش عهده ، إلا انه حاملٌ لعقيدتهِ وضميرهِ ووجدانه من الموروث العائلي والبيئي .
فهنيئا ً لأولئك الآباء الأماجد والأمهات الطاهرات بأبنائهم البررة الذين اصبحوا اليوم محط إعجابنا وفخرنا واعتزازنا بل ومَضربُ أمثالنا بالشجاعة والتضحية والعنفوان .
تحية ٌ لنيسان ِ النضال ولذكرياتهِ ومناسباته التي تبرقُ كسيفٍ فُضيّ لِتُبرز لنا التفاصيل الصغيرة والكبيرة وتترى بكل سرعةٍ وبكلِ الوهجِ والتجلي .. كأنها حدثت للتوِ ، وستبقى خالدة في ضمائرنا وذاكرتنا الجمعيّة الوطنية ما حيينا .