9 أبريل، 2024 7:59 م
Search
Close this search box.

نيسان الكاذب

Facebook
Twitter
LinkedIn

س.س.
لم أكُن لأحتاج أسطورة خلقٍ سومرية لأدعِّي بأنَّ البحر أنجب السَّماء والأرض. كلُّ ما إحتجته هو بعضُ مخيِّلة لأرى السَّماء ثلاثُ قبابٍ ملونَّة تُغلِّف رُواق الأرض، وكلُّ قُبةٍ قد جُبلت من حجرٍ كريم. كنتَ أنتَ قُبتي الكبيرة بلونِ حجرٍ جميلٍ قرمزي، وكنتُ أنا الأرض بكنوزها ومائها وخضارها. لم يُهيَّء لنا أن نكون في الأول من نيسان كما نوحُ (1) من قبل، ننتظر نذير حمامةٍ بغصنِ زيتونة أن تعود بخبر طوفانٍ قريب، فقد كنَّا قد صنعنا لوح سفينتنا منذ أمدٍ بعيد ولم يعنِنا الكونُ إن أشرقَتْ شمسهُ ام غرُبت ما دامت سماواتنا تحتضنُ أرضينا.
إلا إن شؤم نيسان أبى أن يترك الأرض ترفلُ بصدق نبؤاتها فأخذ منها إبراهيم، وأباح الكذب بين الأقوام، وعاد في أعوامه يلاحق الأنبياء فتلقفهم واحداً تلو آخر. فأخذ إسحاق من رِفقة ويعقوب من راحيل (2). اما باقي النبوءة فهو مفقود.

حتى جاء يومنا هذا ليتعمد التقويم البابلي(3) بحلوله أن يسخر منا، فينتحل إخضرار الرَّبيع، و يسرق من الزَّهر تورده ومن البرتقال قدَّاحه. لنعود نسائل أنفسنا ترى كيف ستتبرعم صغار البرتقال حين تنبؤها الأغصانُ المنكوبة بأنَّه بلا وازعٍ قد سلبها لونها؟
هل ستنشر الصُحف المحلية خبراً في الصفحة الأولى يُدهش الناس، بأنَّ البرتقال لم يعُد برتقالياً وبأنَّ مواسمه ستُنجب لنا برتقالاً أبهقاً عديم الطَّعم واللون، فنتحيَّر بعدها كيف نَصِفُ لون ما يصادفنا من أشياء برتقالية الصبغة؟ فهو اللونُ الوحيد الذي جاء بإسم فاكهة. لننعم منهم بآخر النهار بإعتذارٍ بليد، بأن الأمر برُمتِّهِ كان مُزحة، و أنَّ شحوب البرتقال لم يكن أكثر مما سُمّي “بكذبة نيسان”؟
وهل سيكفي شعورٌ بطعم الدُرَّاق وصبغةٌ بلون اليقطين ليهبا بساتين البرتقال بعضاً من لونها ونكهتها؟ بل متى كان الدُرَّاق كالبرتقال والبرتقال كاليقطين؟

نحن لا نشعُر بمدى تعلُّقنا بنكهةٍ ألفناها إلا بعد أن تتغير، فنَحِنُّ لطعمٍ لم يعد موجوداً، لنمزج ما يشبهه و(من يشبهه؟) بماءٍ و ملحٍ لنستسيغه أجاجاً بطعم عافيةٍ مفقودة وهناءٍ غائب. لندرك فيما بعد أن كلَّ التقاويم سخِرتْ منا حين وهَبتْ وحين أخَذتْ فقط لتجعل منَّا معطوبي القلب والحُلم والخاطر.

————————————————————————

(1) وفقاً للديانات الإبراهيمية فقد أرسل نبي الله نوح الحمامة لتنبئه بمكان آمنٍ ترسو به السفينة إذا حدث الطوفان، فعادت بغصن الزيتون لتنذره بأن الطوفان خلفها، وهو ما سخرت منه باقي الحيوانات، وصادف ذلك اليوم الأول من أبريل/نيسان.

(2) وفقاً للتلموذ فإن الأول من نيسان يوم وفاة أنبياء الله إبراهيم وإسحاق و يعقوب

(3) حسب التقويم البابلي تبدأ السنة الأكدية بشهر نيسان وتنتهي بشهر آذار

 

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب