تذكرني هذه العبارة بمسرحية كتبها وأخرجها الزميل سعد هدابي تحت عنوان(بنيران صديقة ) جسد فيها فعل الدهشة والانبهار في القتل والقتل المضاد .
واليوم تعيد قناة البغدادية وفي برنامجها أستوديو التاسعة تلك العبارة الصدمة ( قتل بنيران صديقة ) أتذكر وجه المرأة التي رفعت كتاب الاعتذار الأمريكي إلى عائلة الرجل الذي قتلته قواتها عمدا ودون سبب أيام ما كان الجنود الأمريكان المحتلون يقتحمون الأبواب ويهدمون سقوف بيوت العراقيين الآمنين ليدخلوها عنوة دون أي أمر أو إجراء قضائي لأي سبب كان أو اشتباه برجل قد يكون مطلوبا وعندما يقتل بدم بارد ليكتشف الأمريكان لاحقا أنه ليس الرجل المقصود يقدمون لعائلته اعتذارا لا غير ، إضافة لاعتذار أمريكا اعتذرت وزارتي الدفاع والداخلية وأحتسب المغدور بلا ذنب شهيدا من قبل الحكومة العراقية لتتقاضى عائلته راتبا شهريا يكفيها كفاف العيش لعمر ربما لن يكون طويلا في العراق بسبب الموت المجاني والمفخخات والقتل على الهوية ، ولكن المصيبة التي حلت على العائلة بعد أربع سنوات من استشهاد الرجل تعتبره الحكومة العراقية متوفيا لا شهيدا لأنه قتل ( بنيران صديقة ) وهذا هو المضحك المبكي في نفس الوقت .. نيران القوات الأمريكية نيران صديقة ؟ والشهيد العراقي الذي أقتحم بيته العراقي في أرض العراق بشك غير قاطع وقتل دون رحمة بنيران القوات الصديقة .. تطالب الحكومة اليوم بإعادة ما استلمته عائلته من حقوق تقاعدية لأن الشهيد قد خدع الدولة طيلة السنوات الأربع الماضية بأنه شهيد لكن الأمر اتضح عكس ذلك تماما حيث انه لم يكن شهيدا بل متوفى لأنه قتل بنيران صديقة !! من الذي شرع ذلك ومن قال ذلك ؟ لاأدري ..
القوات الأمريكية التي احتلت العراق في عام 2003 قوات صديقة .. حسننا يمكننا أن نعتبرها كذلك لو حصل الآتي .
الفوات الأمريكية حررتنا من الديكتاتورية في نفس عام التحرير المذكوراعلاه وفي نفس عام التحرير هذا قد تخلصنا من البند السابع وفي نفس العام أعيد بناء كل ما دمرته القوات الصديقة التي فرضت طوقا أمنيا مشددا على طول الحدود العراقية حتى لم تتمكن النملة من الدخول إليه دون ترخيص ، وخلال عشر سنوات من احتلال العراق من قبل القوات الصديقة عم الأمن والأمان وأعيدت الطاقة الكهربائية وبنيت مئات المجمعات السكنية ولم يبقى عراقي بدون سكن مجاني ، عبدت شوارع العراق وطرقها الخارجية جميعا ، شيدت الجسور والعمارات والأسواق وأصبح العراق البلد الأول في مجالي الصناعة والزراعة ولم يبق جائعا أو محتاجا أو عاطلا عن العمل ، سادت الثقافة وتربع العلم وصار المثقفون والأدباء والعلماء من نخب القوم المرفهة ، ازدهر الفن وتفوقت الرياضة .. ارتكزت الديمقراطية الحقة وسادت الحرية وعم السلام ؟
لو حصل هذا بالفعل لكانت القوات الأمريكية قوات صديقة بالفعل ..
ولكن ما الذي حصل بالضبط بعد احتلال العراق عام 2003 على يد تلك القوات ؟
دمرت البنية التحتية للبلد برمتها وأصبحت حدود العراق الخارجية مجالا مفتوحا للقتلة والسفاحين والخارجين عن القانون من السراق والمجرمين وطالبي الثأر من الشعب العراقي ، الكهرباء معدومة ، الماء ملوث ، الصناعة صفر ، الزراعة صفر ، أصبحنا البلد المستورد الأول في العالم و المصدر الأخير فيه ، الكليات والجامعات تخرج من الطلبة المئات في كل سنة ترميهم إلى الشوارع وتكدسهم فيها على مر الزمن ، حتى أصبح لدينا جيش عظيم من البطالة الجائعين الذين هدروا أعمارهم وعلمهم في الأسواق وساحات العمل الرخيصة ، المفخخات والمفخخين يمرحون في أزقة البلاد عرضا وطولا يقتلون العراقيين بالجملة ، جوع وألم وقهر وانتظار لا مجدي .. أمريكا سحبت قواتها وخرجت من العراق كالشعرة من العجين بعد أن نهبت ثرواته وسرقة كنوز متاحفه وجعلت لها رصيدا مزمنا من نفطه ، تاركة الخراب والجوع والتهجير ألقسري والقتل على الهوية مع فساد مالي وإداري قل مثيله في العالم وبعد كل هذا وذاك وبكل جرأة ولا خجل نتبجح ونقول للعراقي الشهيد البريء ( قتل بنيران صديقة ) وان على عائلته أن تقدم الاعتذار للأصدقاء الأمريكيين لأنها لم تشكرهم في حينها عندما قتلوه بلا ذنب لا لشيء سوى إنهم أصدقاء