23 ديسمبر، 2024 5:30 ص

نيران سياسية وقودها الانبار والفلوجة

نيران سياسية وقودها الانبار والفلوجة

بدى واضحاً انّ الوضع في محافظة الانبار متقارب ومتأثر كثيراً بالاجواء السورية العامة، لا سيّما في جوانب العنف المستمر والعنف المضاد، هيمنة خارجية في القتال والسياسة، تيارات وخيارات متضاربة ومتقاطعة، ضياع الصوت الشعبي الانباري واستبداله بأصوات عالية تمثّل نفسها واجندتها ومصالحها السياسية الداخلية والخارجية، ويرافق ذلك خطاباً اعلامياً وسياسياً مشحوناً بالكراهية والبغضاء والتصعيد ومتجاهلاً سكان الانبار اجتماعياً وسياسياً. يقابل هذه الضبابية الانبارية اجراءات حكومية معقدة وبطيئة وتبدو كأنها مقيدة في اكثر من عقدة، ليس أولها روتينية حركة قوات الامن من الجيش والشرطة والصحوات والدعم، وليس اخرها تصنيف حاجات وطلبات الناس في هذه المدينة وكيفية تلبيتها في ظل حكومة لا تمتلك موازنة العام الحالي وتشرف على نهاية ولايتها في حزيران القادم.

لعلّ واحدة من كبرى عوامل التعقيد في هذه المحافظة هي انّ السياسيين فيها وصنّاع الرأي من الوجهاء ورجال الدين ارتكبوا خطئين كبيرين في العمل على أبناء المحافظة، أولهما انّ البعض تصرف بموقعية ولي الامر للناس ويضع سيناريوهاته نظرياً لتحقيق الحضور والكسب السياسي في صراعه المتصاعد مع حكومة واحزاب المركز في بغداد.

والخطأ الثاني هو التصرف بقصر النظر والعمل على الانبار بمفردة الطائفة والمنطقة بعيداً عن كيان الدولة العراقية وبذلك يكون قد قطع العلاج والانعاش من باقي اعضاء الجسم، فضلاً عن استصغار الاخر.

هذه الاخطاء اتاحت فرصة مثالية للعابث الاجنبي من داعش والقاعدة وغيرها من الجماعات وكذلك بعض الدول المتواجدة في الانبار الى اخذ زمام المبادرة للتخطيط والتنفيذ في هذه المحافظة، وبالامكان ان نضع اكثر من شاهد على ذلك، مثل خيار التظاهرات وحشد الناس بشكل وبآخر لها ومن ثم تحويلها وتشويهها بحمل السلاح والعصيان وحرف الخطاب والتوجه ورفع الصور المحلية والاجنبية والاعتداء على الموظفين الحكوميين وقطع الطرق الخارجية، لتتحول التظاهرات الى لون وشكل آخر من انواع العصيان والتمرد العسكري خارج سياق الدولة، والمثل الاخر هو قرار قطع نهر الفرات واغراق المدن المجاورة للفلوجة والحاق الاضرار فيها كجزء من خطة واستراتيجية عسكرية، وبذات الوقت اعلان حرب على الجزء الآخر في جنوب ووسط العراق واثارة مخاوفه الى اقصاها. وفي كلا الحالتين ان اصحاب هذه القرارات هم في الحفظ والصون وفي اماكن بعيدة يذرفون دموع التماسيح على الموت في الانبار والفلوجة حرقاً او غرقاً او اذلالاً من الجماعات الداعشية الاجرامية. وهم بفعلهم هذا يضعون البلد بأكمله على كف عفريت ويبشرون بكوارث لهذا البلد وهم يهنَئون بخيره خارج حدوده، الان هل يتمكن الشارع الانباري ان يفرز هؤلاء، وهل يتمكن من الالتفاف حول نفسه لانتاج واظهار طبقة سياسية اجتماعية تحفظ دمه وكرامته اولاً ولا تقامر بأرواح الناس لتحقيق مكاسب سياسية حزبية شخصية، هل يتمكن من فرز فتاوى الفتنة وردها، هل يتمكن من اجبار بغداد عل تنفيذ كامل مطالبه دون اراقة دماء عراقيين في اي مكان من العراق؟؟!