23 ديسمبر، 2024 5:37 ص

وقعت بين يدي روايتان من ضمن القائمة القصيرة لجائزة البوكر ، هما “نوميديا” الرواية البكر للكاتب المغربي طارق بكاري ، والأخرى “عطارد” للكاتب المصري محمد ربيع ، رواية نوميديا أكملت مطالعتها حتى آخر سطر بمتعة ، بينما رواية عطارد لم اتمكن من مواصلة القراءة فيها وتركتها في منتصفها تقريبا وذلك لبشاعة التدوين في صفحاتها ، استهلالها المزعج والدموي جعلني بغثيان ولم اتناول طعامي بذلك اليوم ، كأنك تأكل من جثة متفسخة ، كما ان الإستغناء عن ذلك الإستهلال المقزز لايؤثر على حبكة الرواية ، فهو دخيل عليها أصلا ، بين صفحة وأخرى تواجه مشاهد مخزية وقبيحة لاتطاق ، لو عرضت احداها عليكم .. ستلعنونني !؟ كوابيسها المرعبة والمفتعلة تحاصرك من خلال شخصية عطارد ضابط الأمن  ، وأحداثها القذرة تحاول ان تخدعك وتغريك بمواصلة القراءة برغم احساسك بالنفور منها ؟؟ حتى توهمت ان الروائي محمد ربيع كان يتعاطى الحشيش اثناء التدوين لروايته ؟ او كان تحت هيمنة سطوة جن لعين لافكاك منه ؟! اجل لم اتمكن من تكملة الرواية لأن سطورها أصبحت جراح صديد مزعجة ، وفوضى من نزف دم لا ينقطع ‼ فهي رواية بشعة غارقة بالدم والموت المجاني، تكاد تشعر ان رائحة زنخة ” كنيف ” تنبعث من بين صفحاتها المتقيحة . في حين تجد السرد برواية نوميديا زاخرا بالجمل الشعرية ، اعتقد ان شفافية لغة الرواية  هي من ارغمت لجنة التحكيم على ترشيحها الى القائمة القصيرة ، فهي لغة تقف خلفها موهبة إستثنائية مدججة بخيال خصب ومثير ، وتوصيف عذب وصادم في أحايين اخرى . رواية جذابة بلغتها وتدفق صورها الشعرية لم يتمكن الإستطراد في صفحات كثيرة والتكرار الإيروتيكي من إخماد جذوتها وخطابها الساحر ، برغم ان اللغة كانت تحمل ذات المواصفات على لسان عشيقات مراد الوعل وهنَّ خولة وجوليا ونضال . لم اشعر ثمة فرق بنبرتها ، كما ان الرواية تناولت زواية اظنها مهملة في السرد العربي الا وهي تهميش قوم الأمازيغية ، اضف الى تشريحها الجريء للنضال السياسي الزائف ومعضلة الجنس ونظرة الشرقيين الساذجة والحيوانية اليه ، وتبقى حبكة الرواية موضع تساؤل ؟ لم اقرأ من الروايات الأربع الباقية سوى مقاطع على النت وهذا لا يكفي حتى اعقد مقارنة بينها وترجيح تفوقها على رواية نوميديا من عدمه ، شيء واحد يدع حظوظ رواية نوميديا تتراجع ، اذا كانت الروايات الأربع تحمل حبكة مسبوكة ، ربما رواية حارس الموتى التي إطلعت عليها مؤخرا وقد وصلت الى منتصفها ستكون منافسة على الجائزة أيضا ، لكني على يقين ان لا لغة في الروايات الأخرى بوسعها ان تقف امام عذوبة السرد في رواية نوميديا برغم هفواتها الفنية والتي نبهت الكاتب عليها برسالة شخصية لكنه مع ذلك نجح في تدوين قطعة سردية ساحرة ومغرية ، لكن تبقى روايته بحاجة الى الصدق . لقد توقفت امام  ذائقة لجنة تحكيم البوكر وإختياراتها للروايات الست ، اذ ليس من المقنع ان اللجنة التي إختارت رواية نوميديا هي ذاتها التي اختارت رواية عطارد ، للفارق الشاسع بين الروايتين ، ولا ادري اية مسوغات وشروط فنية إعتمدتها لجنة التحكيم بإختيارها لرواية عطارد التي ليس بعيدا ان تتوجها بجائزة البوكر تحت ذريعة غرائبية الرواية أو لمخالفتها وخدشها للذوق العام ، ولكن اية غرائبية هذه التي تدع القارىء يشعر بالقرف من مشاهدها المقززة ، ان لجنة التحكيم برغم عدم إرتيابي من حياديتها ، لكنها ربما تقع بفخ التجديد الموهوم وتمنح جائزة البوكر لرواية لا تستحق التتويج بالجائزة ، وتبقى رواية نوميديا ، تلك الفتاة الخرساء هي الأقرب للتحدث على منصة الفوز بفصاحة وبثقة لما إتصفت به الرواية من مؤهلات سردية وفنية تضعها بمقدمة الروايات التي تتنافس على جائزة البوكر لهذا العام ، آملا ان لايكون وقوفي مع رواية نوميديا ينعكس سلبيا عليها ويؤثر على قرار لجنة التحكيم ويجعلها تخالف السائد والمتوقع وتدع جائزة البوكر تذهب لرواية لا تستحقها .. وهذا يعني ان جائز البوكر ليست الا اوراق لعب في صالة للقمار ؟! المحظوظ من يربحها حتى اذا كان لا يتصف بإمتيازات تؤهله الى ذلك ، وحين تخيلت فوز رواية عطارد بالبوكر وترجمتها للغات أخرى ، شعرت بالخيبة عمّا ستقدمه هذه الرواية من فكرة وضيعة عند الغرب عن العرب الذين تصفهم بالدونية والمأسورين بعقدة القتل والجنس والخراب ، وهذا مالا ترضاة اية لجنة تحكيم منصفة ، ذلك ان معظم الروايات التي فازت من قبل لجنة التحكيم بالسنوات الماضية لم تنل اية حفاوة لدى ذائقة القراء ؟ ومثلما بادرت جائزة البوكر اللندنية الى ضم سائق تاكسي وأمينة مكتبة للجنة التحكيم ، أقترح على جائزة البوكر العربية إضافة صوت قارىء حصيف للجنة تحكيم الجائزة وأن لا تقتصر لجانها التحكيمية على نقاد وصحفيين ثقافيين لا يقرؤون بجد ما إستجد من سرد عربي ولا يتابعون الخط البياني المتصاعد بعدد الروايات العربية ، وتبقى جائزة البوكر مثار جدل مثير وأسئلة لا جواب عنها مالم تشرك القارىء الفطين بقرارات ترشيح الروايات ومن ثم تتويج الرواية التي تستحق البوكر حقا [email protected]