مثقف عضوي مرتبط بظهور طبقة اجتماعية أساسية هم المثقفون المتماهون مع نبض الشارع.. فيلسوف كردي ناضل من أجل العراق وكوردستان..مؤسسا نظرية ميدانية صالح تطبيقها بمرونة في أي مكان وزمان.. رجل كوني منقذ شعوب.. جيفارا القرن الواحد والعشرين
نوشيروان مصطفى.. رجل من طراز مثالي، يصلح لموت مستقيم، أكثر من حياة ملتوية، غادرها أنفاً عن النزول الى دركات الصراع المتقيحة إحتقاناً مفتعلاً لخدمة أفراد، تاركاً في الناس ما يستعينون به على ملابسات الوضع العام.
أبرز ما حققه الراحل هو نشر الفكر تطبيقي، بين فئات المجتمع الكردي؛ بإعتبار حتى الشغيلة اليدويين، بحاجة لمهارات تنصبهم بالمنزلة التي يتموضع فيها المتعلم، متربعاً على قمة الإعتبارات الثقافية.
وبهذا حرك نوشيروان الشارع الكردي، بإتجاه تعاشق الرؤى.. تحت هم إنساني مطلق.. يبدأ بالقضايا اليومية المتداولة، لينتهي بتحقيق المنجزات الكبرى، من خلال تماهي المتعلم الأكاديمي، في الجامعات مع غير المتعلم الذي يجيد مهنة عضلية تعجز الأكاديميات عن تلقينها، ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم، وهو ما أسماه الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي: “المثقف العضوي المرتبط بظهور طبقة اجتماعية أساسية هم المثقفون المتماهون مع نبض الشارع”.
· فلسفة نضالية
ونوشيروان فيلسوف كردي ناضل من أجل الإنسانية، مؤسسا نظرية ميدانية، في كوردستان؛ يصلح تطبيقها بمرونة إجرائية مذهلة، في أي مكان وزمان، إذن هو شخص ذو فكر مطلق.. رجل كوني، فطر وجدانياً بمثالية إنسانية، يتعذر على إلتواءات الحياة أن تستوعب صفاءً حضارياً راقياً مثله.. نوشيروان.. ذو نظرية قابلة لإنقاذ الشعب.. إنه منقذ شعوب.. بدءاً من الأمة الكردية، إنتقالاً لما يليها.. إنه جيفارا القرن الواحد والعشرين.
نوشيروان مصطفى (1944 – 2017) سياسي كردي، ناضل ميدانياً، تحت الجور البعثي الصدامي، مؤسساً حركة التغيير، التي شكلت إنعطافة في مسار السلطة التشريعية، نزلت بالسياسي، من برج البرلمان العاجي، الى مقاهي الموقف الحميم، من خلال إنفصاله عن صفوف الإتحاد الوطني الكردستاني، الذي شغل فيه منصب نائب سكرتير الحزب مام جلال طالباني، حتى أواخر العام 2006، مستقيلاً ليؤسس منظمة “وشه – الكلمة” التي تعنى بالثقافة والاعلام، وفي 2009 أسس حركة “التغيير – گۆڕان” على شكل تجمّع طوعي للمواطنين المؤتلفين حوله بإقبال وازن إقليم كوردستان كمنظومة عمل وجودية، برؤية إشتراكية ديمقراطية واضحة المعالم…
المجس المعتمد لإنتشار “تغيير” بين شرائح الكورد والعراقيين كافة، هو حصول الحركة على عدد كبير من المقاعد في مجلسي النواب.. الإتحادي والكوردستاني، مستقطباً قياديي واعضاء حزب الاتحاد الوطني..
هذه المنجزات تحسب لشخص الراحل نوشروان مصطفى، الذي غرس روح فكره بكل من يوالي بلده بوعي وإدراك، سواء أكان كردياً أم غير كردي! في وطن يعشق أبناءه.
· عصبة الشغيلة
نوشيروان صديق لكل مواطن في الإقليم؛ لذلك حزن لموته الشعب الكردي قاطبة.. داخل وخارج كوردستان، قبل إعلان الحداد الرسمي من قبل حكومة الإقليم، فهو ذو سفر نضالي مشرف، عززه بإيقاع عمل قرّب النخبة من الناس الشعبيين، منذ أسس عصبة الشغيلة الكردستانية، مطلع السبعينيات، مستقطبا الثوار الكرد الحقيقيين، بعد انهيار ثورة ايلول 1975، بقيادة الزعيم الخالد الملا مصطفى البرزاني.
إنضم هو وعصبته إلى صفوف الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي أسهم شخصيا بتأسيسه، وتولى موقع الامين العام المساعد فيه، قائداً معظم الملاحم التاريخية الدامية ضد قوات الاحتلال البعثي.. الصدامي في غالبية ارجاء كوردستان مسهماً بتدويل القضية الكردية في المحافل العالمية، وخطط لإنتفاضة آذار 1991، ونفذ فصولها الرئيسة، محرراً كركوك، التي نال بها لقب “مهندس الإنتفاضة” وظل الشعب مديناً له بمعنى أن يكون، حتى بعد وفاته يوم 19 أيار 2017، يوجه حركة العمل النضالي في كوردستان، وهو في القبر.. خالداً بعطائه الذي أغدقه على المجتمع الإنساني بأسره، غرساً طيب البذور أثمرت وعياً مواراً في مكامن الفكر الكردي.. يشع نوراً يضيء المكان والزمان، حتى أقاصي المستقبل اللانهائي.. سرمدياً آبداً.. إحتل البعث إرادة الإنسان الكردي، وحررها نوشيروان مصطفى.. رحمه الله.