نوستالجيا كلمة من أصل يوناني وهى مزيج من Algio والتي تعني الألم و Nostos والتى تعني العودة إلى الوطن. ولكن ظهرت كلمة نوستالجيا على يد الطبيب السويسرى جوان هوفر Johannes Hofer وذلك عام 1688. وقد ارتبط المصطلح فى بداياته الأولى في القرن السابع عشر بمرض عضوي حيث تم تصنيف الأعراض التى تحدث للضباط السويسريين الذين كانوا خارج بلادهم فى فترات الحرب بأنها مرض النوستالجيا الذى يرتبط ببعد الشخص عن بلده وشعوره بالحنين لها، وقد تم استخدام طرق كثيرة للعـلاج ولكن كان أهمها وأكثرها فاعلية هى العـودة للوطـن .
وانتقل تناول وتفسير النوستالجيا من فكرة الحنين إلى الوطن إلى فكرة الحنين إلى الماضي أي الزمن القديم فيشعر الفرد بالحنين إلى مراحل سابقة وذكرياتها وقد أشارت الدراسات أن أكثر الفترات التى يشعـر الفـرد بالحنين إليها هى الطفولة والمراهقة ، والنوستالجيا لا تحدث فقط مع ماض يعرفه وعايشه الشخص ولكن أيضاً مع ماض لم يعشه أو يعاصره بنفسه. فيشعر بالحنين إلى مجتمع وعالم وثقافة لم يحتك بها بشكل مباشر.
ومن خلال النوستالجيا العامة يتم تكوين وتشكيل ذاكرة وطنية وقومية للأمم والتى تتأثر بالعادات والتقاليد والثقافة والتاريخ المشترك بين المواطنين والذى يخص كل دولة ويميز كل أمة.
ويتم استغلال النوستالجيا فى التجارة والربح المادى من خلال التجارة فى كل ما هو قديم مثل التحف والأنتيك.
وقد تناولت الدراسات الحديثة نوستالجيا بدأت تظهر فى السنوات الأخيرة في العراق الذي سقط فيه نظام صدام حسين حيث يشعر بعض العراقيين بالحنين إلى هذا النظام رغم دمويته، وتفسير ذلك الحالات بأنها نتاج لإحباطات اقتصادية واجتماعية وسياسية بالإضافة إلى أنها نقد للواقع بمقارنته بالماضي. ويتم التعبير عن هذه النوستالجيا من خلال المحادثات اليومية العفوية ومناقشات الباحثين والأغاني والأفلام والأدب والمعالم التذكارية والمعارض الفنية والاحتفالات.
وقد اختلف الباحثون حول إذا ما كانت النوستالجيا ترتبط بالشعور بالحزن أو السعادة، فيرى بعض الباحثين أن الشعور بالحنين إلى الماضي يرتبط بالحزن والشجن لماض لا يمكن الرجوع إليه فحتى الأماكن لا تبقى على حالها. وعند تذكر اللحظات السعيدة فى الماضي يشعر الفرد أيضاً بالحزن والشجن لافتقادها.
وقد أشارت بعض الدراسات أن الشعور بالنوستالجيا يرتبط بشعور الفرد بالوحدة وذلك عندما لا توجد لديه حياة اجتماعية وأوضحت الكثير من الدراسات أن الأكثر شعوراً بالنوستالجيا هم الأكبر سناً .
وتمارس النوستالجيا بشكل انتقائي حيث يقوم الفرد بتذكر بعض الأحداث وتجنب بعضها فلا ينظر الفرد للصورة الكاملة للماضي ولكن لبعض الجوانب الجميلة فيه. وتشير الدراسات أن الفرد يشعر بالنوستالجيا إلى الماضي باعتباره مثالياً. ولكن هناك نوستالجيا للمستقبل الأفضل.
وتناولت السينما النوستالجيا من خلال الأفلام التى تتحدث عن الماضى ومنها الأفلام التاريخية. وكثير من ذكريات الماضي تتكون لدينا من مشاهدة الأفلام. ونجد أن الأفلام هي في حد ذاتها الآن تمارس تجاهها النوستالجيا .
وتقوم الموسيقى والأغاني بإثارة مشاعر النوستالجيا فقد أصبحت جزءاً من ذكريات الماضي وخاصة الذكريات الشخصية للفرد بالإضافة إلى كلمات الأغاني التى تتحدث عن النوستالجيا.
وقد وجدت نوستالجيا تجاه وسائل الإعلام الاتصال القديمة. فكما تقوم وسائل الإعلام بدور فى تذكرنا الماضي وأحداثه وفي إثارة مشاعر النوستالجيا فقد أصبحت هذه الوسائل تمارس تجاهها النوستالجيا. فمع التطور التكنولوجى واختفاء وتقلص بعض وسائل الإعلام والاتصال، ظهرت مشاعر حنين تجاه هذه الوسائل ووضعت فى إطار الذاكرة الثقافية للأفراد والبلدان. فتوجد نوستالجيا تجاه وسائل الإعلام والاتصال تم تقديمها وتناولها فى وسائل الإعلام والاتصال المعاصرة مثل الأفلام السينمائية. ويمارس الأفراد هذه النوستالجيا من خلال جمع وتسجيل محتوى ومضمون من وسائل الإعلام القديمة وتكوين أرشيف للإعلام فى فترات زمنية قديمة بالإضافة لوجود متاحف ومراكز ثقافية تقوم بجمع وحفظ وعرض وسائل الإعلام والاتصال ومواده القديمة. وقد ظهرت النوستالجيا بين مدمني استخدام التكنولوجيا الحديثة والإنترنت والحاسب الآلى فيشعرون بالحنين للأدوات القديمة التى كانت تستخدم فى بدايات ظهور الحاسب الآلى والإنترنت. وترتبط نوستالجيا الإعلام بالنوستالجيا للذكريات القديمة للفرد مثل طفولته وشبابه ولحظات استخدامه لأول مرة بعض وسائل الإعلام والاتصال. وتظهر النوستالجيا بشكل واضح عند وجود تغييرات سياسية واختفاء لطبقات ورتب إجتماعية .
وقد استخدمت الإعلانات النوستالجيا ووظفته للترويج للمنتجات المختلفة وحث الجمهور على الشراء. وقد نجحت هذه الإعلانات وما تروج له في أن تقوم بتذكير الجمهور بفترة شبابهم فيرتبط المنتج بهذه الفترة وهذا الإحساس، في حين أنه وجد أن بعض الجمهور لم يعجبه استغلال هذه الذكريات فى الإعلانات واعتبرها تقلل من قيمة هذه الذكريات القديمة .
وبالرغم أن معظم الباحثين قد اعتبروا أن العولمة والتطور التكنولوجى يؤدي إلى الشعور بالنوستالجيا تجاه الماضي بدون المستحدثات التكنولوجية وآثارها على الحياة، إلا أنه ظهرت آراء تشير إلى أن التكنولوجيا الحديثة والإعلام الرقمي يؤدي إلى القضاء على النوستالجيا أو التقليل من هذه المشاعر. فمع استخدام الأقمار الصناعية والنظام الكابلي فقد أتيح للمهاجرين والمغتربين مشاهدة القنوات التليفزيونية التابعة للوطن والناطقة باللغة الأم وبالتالي يعيشون أجواء وحياة وثقافة الوطن وهم بعيدون عنه ويستطيعون متابعة كل ما يحدث فى الوطن بشكل متواصل ولحظي. فتساعد هذه القنوات على تحمل مشاعر الغربة والحنين إلى الوطن.