أكاد أطقُّ من الضحك ، ونَفَسي يلوبُ ، وصدري يشخرُ ، وحلقي يتمرمر ، وروحي تتململ وتشتهي الخروج من خشمي ، عندما أقرأ أو أسمع أو أشوف واحداً أو واحدة ، تصيح بعالي الصوت وواضح الكلام ومبينه ، أن استقلْ يا نوري ، فلقد صرتَ عقدة العقد وفتنة الفتن وعلة العلل ، وفوهة من فوهات جهنم الحمراء التي انفتحت على البلاد . عقلي وقلبي وخبرتي ودربتي وقراءتي وحدوسي وصفنات ليلي ونهاري وتصاوير المنام ، كلها تخبرني بيقين قويّ أنّ أبا إسراء لن يستقيل ، أو حتى يزعل ويعتكف ويصنع فلماً هندياً ، أو مسلسلاً مكسيكياً ، تظهر فيه حشود من الرعية الجاهزة المجهّزة الراقصة ، وهي تهتف وتتوسّل ، وترفع الأكف والحناجر صوب سماء الله ، من أجل عودة ميمونة للرجل ، إلى شغل كرسيه الأبديّ . نوري دخل في متاهة سراب عظيم ، وهو يرى نفسه الآن ، المخلّص والمنقذ والأوحد ، وربما توهّم أنّ رسوخه فوق عرش الحكم ، إنما جاء بتكليف سماويّ مبين ، وهو على هذا وذاك ، لن يبرح مكانه ، ولن ينخلع وسيظل راكباً على قلوب الناس ، حتى لو قاد هذا الأمر ، إلى انقراض نصف الرعية . بعد أزيد من سبع سنوات من الحكم المطلق المصبوغ بديمقراطية مضحكة ، فإنّ الرجل لم يطوّر أدواته في اللغة المصروفة على الخطبة ، أو في باب تصنيع الدعاية وتسويق الفوبيا الإفتراضية المرمية أبداً برأس الأزلام والقاعدة ، ومسميات أخرى مصنوعة فقط على شبكة الأنترنيت ، فالكهرباء عليلة ، والثقافة مريضة ، والمجاري غير سالكة ، والشوارع بين طسّة وطسّة حفرة ، والهوية الوطنية تائهة ، والحرامية طلقاء ، وسوق مريدي لم يغلق ردهة تزوير الشهادات بعدُ ، والمدن مكبّات نفايات ، والسيطرات واحدة تكاد تسمع خرخشة الثانية ، وجدر الكونكريت تقطع الحارات والناس مثل جدر فصل عنصري ، وزخّات فضائيات ثقافة الكراهية والتجهيل والطائفية والتكفير والتيئيس ، ما زالت قائمة وقوية ومموّلة ، وعشرات آلاف الأبرياء في زنازين الشبهة ، ومثلهم من صودرت داره ، وقطع رزق عياله ، واخرج من بلاده بغير حقّ ، والمسؤول الأمريكي ، الرفيع أو الغليظ ، إذا زار بغداد العباسية ، فإنه يزورها زيارة حرامي ، كلب ابن سطعش كلبة ، ولا تدري الحكومة بميقات نزوله من الطيارة ، حتى يصير بباب سفارة أمريكا المحصنة في المحمية الخضراء . لقد شفنا في العراق الأمريكي ، ما لم نشفْ من قبل ، فثمة رجل دين يمتعض منك إن رأى محبس ذهب يلصف فوق خنصرك ، لكنه يتزوج متعة أو مسياراً ، ويدخل طرفاً فاعلاً في صفقة مريبة ، ويفتي ويضلل ، ويسكت عن الحقّ ، ولا يريد للناس أن تسميه شيطاناً أخرسَ . مثل هذا ، ثمة شيخ عشيرة وشاعر وكاتب وفنان ، صارت البلاد عندهم عزيزة مثل معاش أخير الشهر الدسم . في بغداد ، تنعقد هذه الأيام والشهور ، ملتقيات دينية وسياسية وثقافية ، يأتيها الزوار المتقاعدون الذين هم من صنف ” على باب الله ” من كل بلد بعيد ولصيق ، فيسكنون فنادق فخمة حلوة نظيفة مريحة ، فيها ساخن الطعام وطيّب الشراب ، ويظلون على هاي الحال حتى ختمة الملتقى بليلة دسّ الخرجية في الخرج . ألحكومة ذكية ولوتيّة وفهلوية وحيّالة ، إذ تُبقي ضيوفها الخدرانين ، في بطن الفندق الجميل ، ولا تريهم من المدينة شارعاً أو سوقاً أو كراجاً أو حارة ، لأن الفندق فقط ، نظيف ويرفع الرأس ، وباقي المدائن ، وسخة وعليلة ومخجلة وتسوّد الوجه . تفووووووو على أمريكا إذن .
[email protected]