23 ديسمبر، 2024 3:35 ص

نوري باشا السعيد _ الأيقونة الشامخة للعراق

نوري باشا السعيد _ الأيقونة الشامخة للعراق

هو نوري سعيد صالح ملا طه القراغولي ..ينتمي الى عشيرة القراغول الزبيدية البغدادية .. ولد في بغداد في محلة ” تبة الكرد ” قرب ساحة الميدان عام 1888 .. من عائلة من الطبقة الوسطى حيث كان والده ” سعيد أفدندي ” موظف في أحدى دوائر ولاية بغداد العثمانية ..درس في المدارس العسكرية و المدرسة الحربية في الآستانة وأكمل مدرسة أركان الحرب عام 1911 وشارك في حرب البلقان ضد روسيا .. وخلال وجوده في الآستانة أعتنق أفكار النهضة العربية التي بدأت تظهر وتنتشر في العاصمة العثمانية آنذاك .. أنتمى الى الجمعيات السرية التي كانت تدعوا الى أستقلال العراق و العرب عن الدولة العثمانية .. شارك مع الشريف حسين بن علي الهاشمي أمير الحجاز وشريف مكة المكرمة عندما أطلق شرارة الثورة العربية الكبرى .. ثم أنظم الى الأمير فيصل بن الشريف حسين في سوريا على أمل أن يصبح الأمير فيصل ملكا على سوريا .. الا أن الجيش الفرنسي أفشل ذلك فاظطر نوري السعيد الى العودة الى العراق و المساهمة في تنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكا على العراق ومساعدته في تثبيت أسس وقواعد المملكة العراقية وتأسيس الجيش العراقي .. شغل نوري باشا السعيد منصب رئيس وزراء العراق ” 14 ” مرة أبتداءا من عام 1930 حتى عام 1958 .. ورغم كل ما كان يثار عنه وعن شخصيته ” الجدلية ” و بالرغم من كل حسه الوطني ومحبته لوطنه الذي كان يجاهر بها بين الحين والآخر .. الا أن ذلك كله لم يمنعه من مهادنة بريطانيا كونه كان يسعى للحفاظ على العراق بحماية دولة كبرى أضافة الى سعيه و حلمه في جعل العراق بلدا متطورا عسكريا و أقتصاديا و لكون بريطانيا كانت هي التي تمتلك هذه المفاتيح في تلك الأيام فكان يميل الى مهادنتها لتحقيق ما يرمي اليه .. أضف الى ذلك أنه كان يخشى من الأتحاد السوفيتي ” الشيوعي ” خاصة عندما أحتل الجزء الشمالي من أيران وهذا ما دعاه الى تأسيس حاف يغداد مع تركيا وأيران و الباكستان و بقيادة بريطانيا طبعا … كان نوري باشا السعيد يتصف بصغات كثيرة كالحكمة والصبر والنزاهة و حب الفكاهة و الدهاء و المجاملة وحسن الأصغاء و الأستماع .. أضافة الى كرهه الشديد المطلق للشيوعية و الشيوعيين العراقيين ” كره الذين كفروا ” كما يقول المثل .. و كانت السجون تعج بهم خاصة بعد أعتقال و أعدام يوسف سلمان يوسف ” فهد ” السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي عام 1949 مما خلق كرها و ردة فعل عنيفة لدى كوادر الحزب ومناصريه تجاه نوري باشا السعيد فانتقموا منه شر أنتقام بعد الأنقلاب العسكري في 14 تموز عام 1958 و قتلوه وسحلوه في شوارع بغداد .. .. ومن أهم ما كان يتصف به ” الأيقونة الشامخة ” أنه كان دبلوماسيا من الطراز الأول دون منازع ويعود الفضل له في نشأة و تطور الدبلوماسية في المملكة العراقية .. كما أنه كان يؤمن بمبدأ مهم هو : خذ أولا ما تستطيع من المتوفر ثم طالب بالمزيد بعد ذلك .. وهذا ما طبقه الباشا نوري السعيد و ركز عليه و نفذه في مباحثاته مع شركات النفط الأجنبية التي كانت تعمل في العراق و التي أنتهت بالتوقيع على أتفاقية مناصفة الأرباح فازدادت أيرادات النفط من ” 3 ” ملايين دينار أي 9 ملايين دولار الى ” 50 ” مليون دينار أي 150 مليون دولار وكان هذا مبلغا كبيرا جدا يدخل لميزانية المملكة في ذلك الحين .. وبعد هذه الزيادة الكبيرة التي حصل عليها العراق بفضل المباحثات و المفاوضات التي خاضها المفاوض البارع “الأيقونةالشامخة ” نوري باشا السعيد .. فتم عام 1950 تأسيس مجلس الأعمار الذي ترأسه رئيس الوزراء آنذاك نوري باشا السعيد .. فبدأ برسم الخطط لمشاريع ضخمة تشمل كل ألوية ” محافظات ” العراق من شماله الى جنوبه الغرض منها النهوض بالواقع العمراني و الزراعي و الأقتصادي و الصناعي و الأجتماعي في العراق و رفع مستوى معيشة الفرد العراقي من خلال الوطائف و خلق فرص العمل التي ستوفرها هذه المشاريع الأنمائية .. و بالفعل تم تنفيذ و أنجاز مشاريع السدود العملاقة التي لا زالت شاهدة على ما نقول أضافة الى مشاريع و معامل السمنت و مشاريع أسكان موظي الدولة و غيرهم ومشاريع الطرق السريعة و الجسور وغيرها … أما المشاريع التي نفذتها حكومات العهد الجمهوري التي جاءت بعد الأنقلاب العسكري الدموي في 14 تموز 1958 فقد كان أغلبها من مقترحات و مخططات مجلس الأعمار في العهد الملكي و التي كان لأيقونة العراق الشامخة نوري باشا السعيد اليد لطولى و الفضل الكبير فيها ….. و لا بد لي أن أشير في نهاية مقالتي هذه الى أن الباشا نوري السعيد كان يردد دائما على مسامع أصدقئه ومريديه أنه صمام الأمان للعراق و العراقيين وأذا ما قرروا أزاحته عن السلطة فأنهم سيرون العجب ويسمعون ما لم يكونوا يتصورون و يشمون ما سيخرج من الورائح العفنة التي تزكم الأنوف .. وهذا ما حصل فعلا .. فكم كنت حكيما يا ” أيقونة العراق الشامخة ” … نوري باشا السعيد …

عرض انطلاق معرض صور الرياح والأوراق في ذكرى الراحل عباس كيارستمي.jpg.