17 نوفمبر، 2024 3:38 م
Search
Close this search box.

نوري السعيد وبيير لافال نوري السعيد وبيير لافال

نوري السعيد وبيير لافال نوري السعيد وبيير لافال

أن من يكتب عن أي شخصية سياسية عراقية لايمكن أن يتغافل التأثيرات الخارجية عن هذه الشخصية . ومن هذه التأثيرات هو تأثر الشخصية السياسية العراقية بشخصيات سياسية لها دور على الصعيد العالمي , فعند مطالعة شخصيتنا السياسية , ألا وهي شخصية ” نوري السعيد ” يجد القارئ أنه كان معجب والى حد ما بشخصية سياسية فرنسية ألا وهي شخصية ” بيير لافال ” . فعندما نقرأ مقولة نوري السعيد , وهي : ( الرجال العاديون يعقدون تحالفات مع أصدقائهم , أما أنا فإني كبير لأحالف أعدائي . ليست الطريقة الفضلى أن يجعل المرء لنفسه شعبية , بل يجب في بعض الأحيان أن يعرف كيف يضحي بشعبيته لخير بلاده ) , أن هذا التصريح يشبه إلى حد بعيد مقولة قالها (بيير لافال) وهو سياسي فرنسي , وهي : ( لا أرغب في أن تكون لي شعبية , فالناس كانوا يصفقون لي فيما مضى , لأني لم أكن أقوم بواجبي ) . فكلا القولين يعبران عن ازدراء مظاهر التهليل والهتاف وعن الاقتناع بأن الحكم الأفضل هو الذي يعاكس التيارات الشعبية ولا يحاول أن يتملق غرائز الجمهور . أن هذا الشبه بين القولين لم يكن وليد الصدفة , وإنما هناك شبه بين نوري السعيد وبيير لافال , ولكن هذا الشبه لا يقتصر على ملامح الوجهين , بل يمتد إلى المناخ الخلقي . فمعرفتهما المتيقظة بمواطن الضعف البشري ورأيهما في رفعة جدارتهما الخاصة , واقتناعهما بأنهما معصومان من الخطأ , ونظرتهما المتشابهة إلى أساليب الحكم أنما تدل بوضوح على ما بينهما من القرابة . لا ريب أن حياة كل من الرجلين تختلف بكل شيء عن حياة الأخر . فنوري السعيد يمتد إلى أسرة ميسورة بينما بيير لافال عكس ذلك يقال انه من أصل وضيع وهذا ما ثبت بعد أن أدين بالخيانة العظمى لفرنسا عام 1945 . ولد السياسي الفرنسي ” بيير لافال ” عام 1883 , ودرس في جامعات (ليون وباريس . (وبعد الحرب العالمية الأولى بدأ نجمه يلمع في مجال السياسة , وفي عام 1914م تم انتخابه عضوًا في مجلس النواب , وقد شغل عدة مناصب في الوزارة منها شغله منصب رئيس الوزراء مرتين , وفي عام 1935م شارك بصفته رئيسًا للوزراء في اتفاقية (هور – لافال) واقترح التفاوض بين فرنسا وبريطانيا لإبرام معاهدة صلح بين إيطاليا وإثيوبيا . تعاون مع الألمان خلال

الحرب العالمية الثانية (1939 -1945 ) وبعد غزو الألمان لفرنسا في (مايو عام 1940) طالب لافال بالاستسلام لهم , وخلف هنري بيتان رئيسًا لوزراء فرنسا في عهد فيشي في أبريل 1942 , وبعد استسلام ألمانيا في عام 1945م تم تسليم لافال إلى الحكومة الفرنسية وأدين بالخيانة العظمى . وتجرع السم محاولاً الانتحار في يوم إعدامه ، ولكن تم إنعاشه ، وأعدم رميًا بالرصاص . أما نوري السعيد فمن أسرة ميسورة وثقافة كلها تركية , ولد عام 1910 م , وانخرط في الجيش العثماني برتبة ضابط , وأتم دروسه في مدرسة اسطنبول العسكرية حيث أبقاه معلموه على حدة وفي شبه إنفراد لأنه من أصل عربي . ويبدوا أن هذه المعاملة قد غرست في نفسه نوعاً من النقمة . أسره الانكليز لما احتلوا البصرة في الحرب العالمية الأولى , ثم أطلقوا سراحه تنفيذاً لأمر أصدرته الحكومة البريطانية . فقرر منذ ذلك الوقت أن يتعاون مع الانكليز , وقد ظل دائماً أميناً على هذه الخطة في سلوكه , فحياة العراق في نظر نوري السعيد لا يمكن أن تكون دون المساعدة البريطانية وقد ردت بريطانيا على هذه التحية بمثلها , فاعتبروا أن الحكومة الصالحة في العراق لا يمكن أن تكون دون نوري السعيد . ظهر نوري السعيد على مسرح السياسة للمرة الأولى عندما اشترك بطريقة عملية ونشيطة في ” الثورة العربية ” التي دبرها ” لورنس ” , ثم رافق الملك فيصل الأول إلى باريس عام 1919, وبذل جهوداً كبيرة ضد ” كليمنصو ” ليحصل على ضم سوريا إلى العراق تحت تاج الملك فيصل الأول . وكان نوري السعيد مستشاراً خاصاً وودوداً للملك فيصل الأول فضل يرتقي تدريجياً في مراتب السلطة حتى بلغ المقام الأول , أي رئاسة الحكومة في المملكة العراقية لأول مرة في 23 آذار1930. وبقي فيها إلى وزارة ( 1 أيار 1958) , ومنذ ذلك العام شغل منصب الرئاسة على التوالي أربعة عشرة , وأن استمراره الطويل في ممارسة السلطة رسخ فيه الاقتناع بأنه ولد ليحكم مواطنيه , وبأن جميع رجال السياسة العراقيين , ما عداه , ليسوا إلا هواة على الصعيد السياسي .

لكن نذكر هنا , ما كتبه ” بول جونسن ” وهو سياسي انكليزي , قال : ( ليس في نوري السعيد ضعف ولا أوهام , اللهم إلا اعتبرنا ضعفاً كلفه الشديد بالسلطة , فرجال السياسة العراقيون يبغضونه ويحسدونه , ولكنه يملأ نفوسهم خوفاً يكاد يكون خرافياً لا مجال فيه للمنطق والإدراك , إنهم يتذمرون منه في مجالسهم الخاصة , كلما عطل صحفهم أو حلّ أحزابهم , ولكنهم لا يحاولون مطلقاً القيام بعمل ضده , هو بخلاف أكثر العرب , لا يكذب أبداً على نفسه ) . وصف نوري السعيد بأنه

رجل الغرب في العالم العربي ، ولكن كانت لديه من المواقف القومية ما يعد في حسابات اليوم منتهى الراديكالية ، وكان مقتنعا بأن لابد للعراق أن يعتمد على دولة كبرى ليردع أعداه . أن المقارنة بين نوري السعيد وبيير لافال , لاريب في أن شخصية نوري السعيد هي أقل غنى من شخصية لافال بالعوامل التي تحرك العواطف وتحدث تأثيراً عميقاً في النفس وحتى بالشعور الإنساني , فـ(نوري السعيد) ليس خطيباً , وهو بهذا يختلف اختلافاً عميقاً عن لافال . ولكن السعيد يشبه لافال من حيث أنه يكره أصحاب الآراء العقائدية مهما كان المذهب الذي ينتمون إليه , ويعمل بفطنة واقعية , ويحب معالجة الشؤون العامة . وقد توفي نوري السعيد في 15 تموز عام 1958. ولم يزل شخصية سياسية كَثُر الجدل و الآراء المتضاربة عنه .

أحدث المقالات