في تحد صارخ فج لارادة الشعب وتوجيهات المرجعية الدينية صوت مجلس النواب على مادة الامتيازات التقاعدية لاعضائه وكبار مسؤولي الدولة ضمن تصويته على قانون التقاعد الموحد الجديد , وبقدر ما فرح المواطنون واستبشروا خيرا خصوصا المتقاعدون وصغار الموظفين الذين يتحملون العبء الاكبر في تسيير امور البلاد علت غمامة من الحزن والاسى الاوساط الشعبية , وشعر كل مواطن بانه خدع من قبل نوابه الذين اقسموا بالله العظيم على التفاني في خدمته والسهر على مصالحه , فقد ثبت بالملموس بان عضوية مجلس النواب والوزارة ومجالس المحافظات ومناصب المستشارين والمديرين العامين مغانم ومناجم يجمع اصحابها الثروة والنفوذ .
في اعتقادي ان النواب وهم يصوتون على المادة (38) الضامنة لامتيازاتهم وطبقيتهم كان يدور في خلدهم ان المواطن سوف تنطلي عليه اللعبة , وان تقنين سرقتهم للمال العام لن ينتبه اليها وهو في غمار فرحته بتقاعده ذي الاربعمائة الف دينار , فلا يلتفت الى الايدي التي ارتفع بالتصويت على ملأ الجيوب بعنوان راتب تقاعدي ملاييني مقابل خدمة لاربع سنوات ضوعفت دون وجه حق , اعتقد ان هذا التصور كان يدور في مخيلة النواب وهم يشربون نخب التقاعد الجديد بعد ان اسقط الشعب تقاعدهم القديم بتظاهراته المشهودة , لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفنهم اذ قلبت المرجعية الدينية العليا ممثلة بسماحة السيد علي السيستاني الطاولة على رؤوس الجميع ووقفت لهذا النهب المنظم للثروة بالمرصاد , فاعلنت امام الراي العام بان المادة الخاصة بتقاعد كبار المسؤولين مخالفة لروح الدستور , وان مجلس النواب وقف مرة اخرى ضد ارادة الشعب , وانه منح اعضاءه وكبار المسؤولين في الدولة امتيازات تقاعدية دون وجه حق , كما سارعت الاوساط المثقفة والشعبية الى ابداء سخطها على النواب الذين منحتهم ثقتها واستأمنتهم على المال العام , وتنادت هذه الاوساط للخروج بتظاهرات واعتصامات سلمية لاسترداد حقوقها واموالها من ايدي الذين خدعوها , لاسيما وانها نداءات تعززت اكثر بموقف المرجع الديني الشيخ بشير النجفي .
ازاء هذا الموقف الصلب للمرجعية الدينية الذي يعيد الى عصرنا صرخة ابي ذر بوجه مكتنزي الذهب والفضة في زمانه , وموقف الاوساط الشعبية ونخبها المثقفة سارعت الكتل ونوابها واخص منها دولة القانون , والمواطن , والاحرار , سارعت جماعات وفرادى الى اعلان البراءة من التصويت على تقاعد كبار مسؤولي الدولة , حتى اصبحوا بتصريحاتهم نادرة ومسخرة للجماهير , ولاغرابة انني خصصت الكتل البرلمانية الثلاثة وذكرتها باسمائها لانها اليوم وكما تقول تمثل الاسلام السياسي في الساحة العراقية , وتدعي في ادبياتها وخطابها انها خرجت من تحت عباءة المرجعية الدينية , ومازالت تصر على هذا اللون من الخطاب , وبخطابها المعلن كان عليها ان تكون اكثر انسجاما مع مدعياتها لاننا عرفنا المرجعية الدينية مقاما ساميا قريبة من الله وقريبة من الناس , لم تدخر لنفسها صفراء ولا حمراء .
اننا نقرأ بيان المرجعية على الوجه الاتي :
1 – جاء في البيان عبارة ” مرة اخرى يقف النواب ضد ارادة الشعب ” وهذا يعني ان مجلس النواب وكثير من المسؤولين تكررت منهم المواقف التي اضرت بمصالح المواطنين , كما يعني ان المرجعية مع ارادة الناس وتطلعاتهم .
2 – جاء في البيان وصف تشريع تقاعد النواب وكبار المسؤولين بانه ” من دون وجه حق ” وهذا يعني حرمة المال المأخوذ وفق هذا القانون , لان الوصف جاء من اعلى مرجعية دينية اسلامية في العالم , وهنا على كبار المسؤولين اما اكل ذلك المال سحتا حراما , واما التنازل عنه الى خزينة الدولة ان كانوا مؤمنين .
3 – ورد في البيان دعوة المرجعية المواطنين الى تدقيق النظر فيمن ينتخبون وان يجددوا نظراتهم الى المرشحين في الانتخابات القادمة , وهي دعوة غير مباشرة الى البحث عن بدلاء لهؤلاء النواب والمسؤولين .
ان ما قام به اعضاء مجلس النواب في تشريع المادة (38) من قانون التقاعد الموحد التي تخص امتيازاتهم التقاعدية وقبيل الانتخابات , وما رافق ذلك من موقف للمرجعية الدينية , انما هو اعلان موت هؤلاء النواب سياسيا وعلى زعماء الكتل البحث عن بدلاء لائقين لان المراهنة على حصان خاسر ضياع وحماقة .