17 نوفمبر، 2024 9:23 م
Search
Close this search box.

نواب مخادعون

 في تحد صارخ فج لارادة الشعب وتوجيهات المرجعية الدينية صوت مجلس النواب على مادة الامتيازات التقاعدية لاعضائه وكبار مسؤولي الدولة ضمن تصويته على قانون التقاعد الموحد الجديد , وبقدر ما فرح المواطنون واستبشروا خيرا خصوصا المتقاعدون وصغار الموظفين الذين يتحملون العبء الاكبر في تسيير امور البلاد علت غمامة من الحزن والاسى الاوساط الشعبية , وشعر كل مواطن بانه خدع من قبل نوابه الذين اقسموا بالله العظيم على التفاني في خدمته والسهر على مصالحه , فقد ثبت بالملموس بان عضوية مجلس النواب والوزارة ومجالس المحافظات ومناصب المستشارين والمديرين العامين مغانم ومناجم يجمع اصحابها الثروة والنفوذ .
        في اعتقادي ان النواب وهم يصوتون على المادة (38) الضامنة لامتيازاتهم وطبقيتهم كان يدور في خلدهم ان المواطن سوف تنطلي عليه اللعبة , وان تقنين سرقتهم للمال العام لن ينتبه اليها وهو في غمار فرحته بتقاعده ذي الاربعمائة الف دينار , فلا يلتفت الى الايدي التي ارتفع بالتصويت على ملأ الجيوب بعنوان راتب تقاعدي ملاييني مقابل خدمة لاربع سنوات ضوعفت دون وجه حق , اعتقد ان هذا التصور كان يدور في مخيلة النواب وهم يشربون نخب التقاعد الجديد بعد ان اسقط الشعب تقاعدهم القديم بتظاهراته المشهودة , لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفنهم اذ قلبت المرجعية الدينية العليا ممثلة بسماحة السيد علي السيستاني الطاولة على رؤوس الجميع ووقفت لهذا النهب المنظم للثروة بالمرصاد , فاعلنت امام الراي العام بان المادة الخاصة بتقاعد كبار المسؤولين مخالفة لروح الدستور , وان مجلس النواب وقف مرة اخرى ضد ارادة الشعب , وانه منح اعضاءه وكبار المسؤولين في الدولة امتيازات تقاعدية دون وجه حق , كما سارعت الاوساط المثقفة والشعبية الى ابداء سخطها على النواب الذين منحتهم ثقتها واستأمنتهم على المال العام , وتنادت هذه الاوساط للخروج بتظاهرات واعتصامات سلمية لاسترداد حقوقها واموالها من ايدي الذين خدعوها , لاسيما وانها نداءات تعززت اكثر بموقف المرجع الديني الشيخ بشير النجفي .
       ازاء هذا الموقف الصلب للمرجعية الدينية الذي يعيد الى عصرنا صرخة ابي ذر بوجه مكتنزي الذهب والفضة في زمانه , وموقف الاوساط الشعبية ونخبها المثقفة سارعت الكتل ونوابها واخص منها دولة القانون , والمواطن , والاحرار , سارعت جماعات وفرادى الى اعلان البراءة من التصويت على تقاعد كبار مسؤولي الدولة , حتى اصبحوا بتصريحاتهم نادرة ومسخرة للجماهير , ولاغرابة انني خصصت الكتل البرلمانية الثلاثة وذكرتها باسمائها لانها اليوم وكما تقول تمثل الاسلام السياسي في الساحة العراقية , وتدعي في ادبياتها وخطابها انها خرجت من تحت عباءة المرجعية الدينية , ومازالت تصر على هذا اللون من الخطاب , وبخطابها المعلن كان عليها ان تكون اكثر انسجاما مع مدعياتها لاننا عرفنا المرجعية الدينية مقاما ساميا قريبة من الله وقريبة من الناس , لم تدخر لنفسها صفراء ولا حمراء .   
اننا نقرأ بيان المرجعية على الوجه الاتي :
1 – جاء في البيان عبارة ” مرة اخرى يقف النواب ضد ارادة الشعب ” وهذا يعني ان مجلس النواب وكثير من المسؤولين تكررت منهم المواقف التي اضرت بمصالح المواطنين , كما يعني ان المرجعية مع ارادة الناس وتطلعاتهم .
2 – جاء في البيان وصف تشريع تقاعد النواب وكبار المسؤولين بانه ” من دون وجه حق ” وهذا يعني حرمة المال المأخوذ وفق هذا القانون , لان الوصف جاء من اعلى مرجعية دينية اسلامية في العالم , وهنا على كبار المسؤولين اما اكل ذلك المال سحتا حراما , واما التنازل عنه الى خزينة الدولة ان كانوا مؤمنين .
3 – ورد في البيان دعوة المرجعية المواطنين الى تدقيق النظر فيمن ينتخبون وان يجددوا نظراتهم الى المرشحين في الانتخابات القادمة , وهي دعوة غير مباشرة الى البحث عن بدلاء لهؤلاء النواب والمسؤولين .
        ان ما قام به اعضاء مجلس النواب في تشريع المادة (38) من قانون التقاعد الموحد التي تخص امتيازاتهم التقاعدية وقبيل الانتخابات , وما رافق ذلك من موقف للمرجعية الدينية , انما هو اعلان موت هؤلاء النواب سياسيا وعلى زعماء الكتل البحث عن بدلاء لائقين لان المراهنة على حصان خاسر ضياع وحماقة .

أحدث المقالات