23 ديسمبر، 2024 12:25 ص

نواب الشعب … مهمات خارج أوقات الدوام الرسمي!!

نواب الشعب … مهمات خارج أوقات الدوام الرسمي!!

رحم الله استاذنا علي الوردي ، حينما دعا في مقالته عن الاخلاق الضائعة الى أهمية ان نعرف ما هي الاخلاق قبل ان نعرف ما هو الضائع منها ، وفقا لنظريته المعروفة عن البداوة والتحضر ، اليوم مثل هذه الدعوة تطلق للعودة الى اخلاقيات ما يوصف بالزمن الجميل في السبعينات ، والتي لا يجد البعض من ساسة العراق الجديد انها اكثر من أيام ظلم دكتاتوري فحسب ، لكن ما نحاول طرحه في هذا المقال ، ان تلك الاخلاق كانت تسود بين وجهاء الناس وتفرض معاييرها على المجتمع ، فالحديث مع أستاذ جامعي ليس كالحديث مع طالب والفارق واضح وصريح ، لكن الحروب المتوالية والتي انتهت باستيراد الولايات المتحدة الأميركية ، لساسة الفوضى غير الخلاقة ، ما يجعل الوردي يتقلب على جنبيه في قبره وهو يلحظ اخلاقيات تعامل بعض نواب الشعب ، والتي تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي ، تسقط هيبة البرلمان وشخصية النائب الاعتبارية ، التي غمس الشعب اصبعه في الحبر البنفسجي لاختياره العقدي وفقا لمبادئ دستورية نافذة .

ربما يصح القول ان ما ينشر على هذه الوسائل لإعلام المواطن الإلكتروني، يراد بها التقسيط السياسي، وربما يراد بها غير ما هو الواضح من أسباب نشرها، الا ان هذه الاخلاقيات العامة تتعارض مع ما عرفه الوردي وغيره من رواد الفكر الاجتماعي، وفي جردة حساب صغيرة لأبرز هذه المظاهر يمكن طرح التساؤلات التالية:

أولا : الافراط في مواكب العجلات التي تخرج من المنطقة الخضراء وكان ابن الشعب المنتخب سقط على كويكب العراق من سطح المريخ ، بل تجاوز هذا افراط في هدر المال العام ، حيث يخصص لكل منهم اكثر من سيارة حديثة تصل مصروفاتها اليومية الى اكثر من مائة الف دينار عراقي ، وهكذا هو ابن الشعب المنتخب في مجالس المحافظات ، اضف اليهم جماعة المستشارين الذين ينتقلون من مناصبهم الى هذه المناصب للحفاظ على رؤيتهم الحضارية بعد مغادرة نموذج البداوة ، كل ذلك ويطالبون باستقطاع أموال من رواتب الموظفين والمتقاعدين ، دون ان يفكروا باستقطاع هذه الامتيازات التي لم تحصل عليها حتى ملكة بريطانيا ، والانكى من ذلك يتباكى البعض منهم امام عدسات التلفاز بان راتبه لا يكفي حتى منتصف الشهر !!!

ثانيا : يكثر الحديث عن اللجان الاقتصادية للأحزاب في الوزارات ، وظهور البعض من النواب والشخصيات الحزبية في زيارات شبه دائمة لمكتب الوزير، او تراهم منتشرين في مكاتب المدراء العاميين وكل منهم يحمل بيديه حفنة من الأوراق ، كمعاملات مطلوب تروجيها مخالفة لمدونات السلوك الوظيفي ، في ان يشغل الشخص غير المناسب في المكان المناسب تحت عنوان عريض هو الولاء الحزبي ، فيما يكثر الحديث عن استقلالية هذه الجهة او تلك ، ومكتب الوزير ، والمدراء العاميين في الوزراء وصولا ربما الى مدراء الأقسام يتم تعنيهم على أساس الولاء الحزبي ، مع أصوات تتحدث عن التوازن الوظيفي ، لكن من باب تقاسم كعكة الثروة كما قالت ذلك نابئة معروفة على التلفاز في برنامج الرئيس الذي يديره رئيس مجلس النواب السابق محمود المشهداني ، وحين يرى البعض ان هؤلاء مجرد اشباح يصولون ويجولون في كواليس الوزارات ، فان النصيحة الأمثل وفقا لمنهجية استاذنا الوردي، ان تبدأ في البحث عن تعريف الاخلاق قبل البحث عن الضائع منها ، لان الفوضى تمرر الجمل من سم الخياط ، وان تكون هناك سجلات حضور وانصراف تابعة لمكاتب المفتشين العموميين ، بإشراف الجهات الرقابية في مجلس الوزراء ، يطلب من كل شخصية عامة تحمل صفة برلمانية او عسكرية، او أي مسمى وظيفي يتجاوز درجة ((مواطن – مراجع )) لان يتفضل بتسجيل اسمه في هذا السجل المنير ، وان يتم نشر هذه الأسماء وملاحظة تكرارها امام وسائل الاعلام وفي التقارير الفصلية والسنوية ، حينها ، سيلاحظ ان اللجان الاقتصادية ليست اشباحا ، بل شخصيات بمسميات برلمانية ووظيفية تمشي على ارجلها ، وتفرض سطوتها على الوزارات، وهي مهمة مطلوب من مجلس مكافحة الفساد الذي يراسه الدكتور حيدر العبادي اصدار تعليمات مشددة بتطبيقه اذا كان فعلا يريد مكافحة الفساد وليس قولا في مؤتمراته الصحفية ، وله كامل السلطات في اصدار الأنظمة والتعليمات التي تقيد حركة المفسدين في الدولة .

ثالثا: في الكثير من التجاوز على الاخلاقيات العامة، ان مواقع التواصل الاجتماعي تنشر مرة عدم قبول برلماني الجلوس على مقعده في الطائرة وأخرى ما يفعل وهو يراجع دائرة تحت عنوان الرقابة البرلمانية، فيما واقع الحال انه مجرد متابع يذل شيبة تمثيل الشعب على أبواب الوزير من اجل نقل هذا الموظف او ذاك وهم ليسوا من ناخبيه بل من عظام الرقبة، لاسيما وان كان النقل لمناصب اعلى، او لخارج العراق ليس فقط في السلك الدبلوماسي بل في أي منافذ أخرى !!

رابعا : ما زالت شفافية المعلومات وستبقى احد ابرز مطالب مكافحة الفساد ومنعه ، والكثير من مواد مسودة قانون اتاحة المعلومات تعمل على منع هذه الاتاحة تحت عناوين شتى ، لكن حصر تعريف الاخلاق وفقا لمنهج الدكتور الوردي ، يتطلب ان نعرف ما يتعلق بإتاحة المعلومات ، وهذا يعني مطلوب ان يتعرف المواطن على رواتب كبار المسؤولين ، فهي ليست سرا من اسرار الدولة ، وتخصيصات مصروفات مكاتبهم ، وما يصرف على كوادر هذه الوزارات ، فجمهور الموظفين يقال وفقا لتصريح عن الدكتور مظهر محمد صالح ، لا يعملون اكثر من 17 دقيقة يوميا ، وهو الشخص الخبير المسؤول عن تصريحاته ، لذلك أي كلام اخر عن عدم إمكانية نشر المعلومات التفصيلية للمقارنة ما بين معدلات التضخم ونمو الفقر في العراق وما يتم صرفه في الموازنة العامة للدولة ، للحد من معدلات التضخم وتقليل نمو الفقر والعمل على التنمية المستدامة ، تحت ذرائع وحجج واهية بمسميات الحفاظ على الامن القومي، فيما المطلوب ان تحدد الدولة اخلاقيات ملزمة في هذه المقارنة الواضحة بين وارداتها ومصروفاتها ، عندها يظهر امام الشعب بوضوح مكان الخلل المطلوب تصحيحه ، فلا تجيش المظاهرات للإصلاح والمتظاهرين لا يعرفون الا العنوان العريض لتظاهرتهم مطلوب ان تكون هناك جهة تحاسب السلطات كلها بما فيها السلطة القضائية ، والا فان استمرار هدر المال العام ديمومة الفوضى، تجعل الكثير من ممثلي الشعب وكوادر احزابهم ، لا يكتفون برواتهم والبحث عن وظائف خارج أوقات الدوام الرسمي لدعم دخلهم الشهري لذلك لا يمكن لكثير منهم الكشف عن ذمتهم المالية ، فتقارير هيئة النزاهة تؤكد ان 33% فقط من نواب الشعب كشفوا عن ذمتهم المالية عام 2016!!! .

وما زال عداد الفساد يمضي والعراق في ذيل قائمة منظمة الشفافية الدولية ، فقط لان تعريف الاخلاق العامة ناله الكثير من الفوضى غير الخلاقة ، ومطلوب ان تبدأ الفعاليات الاجتماعية العراقية بالمطالبة بالعودة اليها قبل السعي لحساب الضائع منها ، فهذه تساؤلات مشروعة على طاولة المناقشة .