23 ديسمبر، 2024 5:38 ص

نهضة الحسين …. ملحمة درامية خالدة

نهضة الحسين …. ملحمة درامية خالدة

واقعة الطف تلك الواقعة الفاجعة الخالدة التي بقت ذكراها تتجدد في كل عام بل وفي كل يوم او كلما يمر ذكر للحسين (ع ) او واحد من اهل بيته او صحابته لتتجسد امام عينيه احداث دموية خطت على جبين التاريخ كل معاني الشرف والعزة وتوهجت بنور الظفر والانتصار واكدت الهزيمة والعار على من ارتكبها وشارك فيها قولا وفعلا حتى قيام الساعة .
وبهذه فانها تنفرد عن وقائع التاريخ التي تذكر مناسباتيا ويحتفى بها رمزيا للذكرى العابرة التي مرت في تاريخ البشرية فلا تضاهيها ملحمة جرت على وجه الارض وانغرست في القلوب وتجذرت في الانفس بقدرة ربانية عفوية الا لكونها ملحمة اريد بها ان تكون نبراسا للعزة والصمود ومقارعة الظلم بكل اشكاله والدفاع عن العقيدة باي وسيلة وهذه لابد وان يكون لها مقدمات ولابد وانها لم تات من فراغ ولم تكن قد حدثت استثناءا او عبثا او جاءت ردة فعل عاطفية او نفعية او وقائية . انها درس بليغ وكبير من دروس الملاحم البطولية في البناء الدرامي للاحداث فصارت هي النهاية الحتمية التي كانت لتبقى تتوهج في العقول والالباب ولم يستطع الزمن من اطفاء جذوتها ولم تقدر اي ملحمة بعدها ان تطغي عليها بل ان العكس هو الصحيح اذ ان وهجها ينتشر افقيا وعموديا يوما بعد يوم وصداها يقلق الجبابرة والطواغيت في كل زمان ومكان الذين حاولوا ويحاولون اطفاء لهيبها الذي يحترقون بوهجه ولكن ( يابى الله الا ان يتم نوره ) . فحري بنا ان ندرس هذا السفر الجليل من كتاب الانسانية وانتفاضاتها لنتعلم منه دروسا في فن الكتابة مثلما تعلم منه غاندي وكاسترو وغيرهم فن الثورة وانتصار الموقف على السيف .
فالنهضة الحسينية لم تكن وليدة حدث اني او نزاع فردي ولا هي نزوة عابرة جاءت كرد فعل لفعل قام به فرعون العصر يزيد بل هي امتداد لنهضة كبيرة خالدة بداتها الرسالات السماوية ومهدت لها النبوات والتنزيل الالهي الذي انتهى بخاتم الانبياء والمرسلين محمد  بن عبد الله عليه وعلى اله افضل الصلوات واتم التسليم ليكون فصلا في البناء الدرامي يتخصص بالرسالة المحمدية التي اخذت على عاتقها مسؤولية التغيير وتحرير البشرية من كل انواع الاستغلال والاستبداد لكي تعطي للانسان انسانيته التي سلبت بطرق شتى واساليب متنوعة . فكانت ولادة النبي الاكرم صلوات الله عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين وحياته عبرة كبيرة وخالدة لانها من صنع الباري عز وجل ليكمل الرسالات ويختمها حتى كانت مسيرته في نزول الوحي ومن ثم اعلان النبوة وتامر قريش والحماية الربانية التي وفرها الله له منذ ولادته بان كفله جده ومن ثم عمه ابو طالب ومساندة عمه حمزة صائد الاسود والبطل المغوار وعززه باخيه وابن عمه علي بن ابي طالب عليه السلام الذي امن به وصدق رسالته وهو لم يزل صبيا واول من وقف معه وصلى الى جواره وكيف كانت ولادة هذا الصنديد الضيغم واين والتي جعلها الله محل طواف كل مسلم في حج فرضه الله تعالى عليهم ( ولله حج البيت من استطاع اليه سبيلا ) الى مبيته على فراشه ونزول سيفه باية من السماء ( لاسيف الا ذو الفقار ولا فتى الاعلي ) ووقوفه الى جانب اخيه ومناصرته حتى اخر لحظة من حياة النبوة الخالدة وهو يفارق الحياة بين صدره ونحره ويلقنه الكلمات ( لقد فتح لي في العلم الف باب ولكل باب الف باب ) والنبي الكريم الذي قال فيه ( انا مدينة العلم وعلي بابها ) ليكتمل الحلم والعلم والبسالة وكل صفة حميدة في علي عليه السلام لتنتقل الى اولاده برعاية مباركة من الباري عز وجل وببشرى من النبي الاكرم صلوات الله عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين لكي من اجل اكمال الرسالة والسير فيها حتى ما يشاء الله رب العالمين والتي حركت الاحقاد والاضغان الجاهلية عند البعض وراحو يقلبون ماتحت الرماد ويتربصون بما جاء به الرسول صلوات الله عليه وعلى اله  الشر للايقاع به والعودة الى شريعة الجاهلية واعادة العبودية وانتهاك الحرمات وضياع الحقوق وصارت المصالح الشخصية والمنافع الفردية تطغي على ما سعى اليه معلمهم ووصى به ولهذا فقد برزت المواقف المبيته وانتهاز الفرصة للقضاء على كل ما ساد وانتشر من قيم جديدة من اجل كرامة الانسان وبدت ارادة الاشرار للاطاحة بها من اجل منافع دنيوية زائلة واحقاد قديمة دفينة تلعب لعبتها في تناغم من هنا وهناك ومالت النفس الامارة بالسوء عند البعض لتشارك في ردة فعل وبطرق شتى باتجاه العودة للماضي . وكان لابد من ان يقف الصف الاخر بوجه هذا التيار وبحسب الظروف والامكانات المتاحة ولهذا تشكل فريقين واحد في محاولة اسقاط وتهديم الاسس التي بنيت وواحد باتجاه المحافظة عليه والدفاع عن استمراريتها وتغذيتها وظل طرف ثالث متذبذب لهؤلاء ولا لهؤلاء . ولكن اصحاب القضية الحقيقيون هم ال البيت عليه افضل الصلوات واتم التسليم هم بيت النبوة ومهبط الوحي وعليهم تقع المسؤولية في التصدي لذلك التيار ولهذا كانت الحروب والمعارك تجري بين هذا الطرف وذاك ( معركة الجمل وحرب صفين وغيرها) حتى صلح الحسن عليه السلام ومن ثم خلع البيعة واعطاءها ليزيد من قبل معاوية وهو الذي وقع على وثيقة عهد يكون فيها الحسن او الحسين عليهما السلام من بعده لتتشكل من هذه المقدمات احداث كبيرة ومهولة لتبدأ ملحمة جديدة  لاتشابهها ملحمة ولا تقترب لها في بناءها اذا ما تناولناها في التحليل العلمي للدراما بعد ان تقصينا المقدمات وعرفنا البداية – كما هو معروف في فن كتابة الدراما – ونجد الوسط وهو الاحداث التي مرت على سيدنا ومولانا الامام الحسين عليه السلام بعد وفاة اخوه الامام المجتبى الحسن عليه السلام ومحاولة يزيد باخذ البيعة من الحسين عليه السلام والوصية التي اوصى بها معاويه ولده يزيد وما كان من الحسين ان يفعله عندما قال مقولته المدوية الخالدة ( امثلي يبايع مثلك ) هذه الثيمة الرئيسية في ملحمة واقعة الطف التي بنيت عليها احداث الواقعة . الرفض القاطع لممثل الكرامة على وجه الارض ان يخضع لفاسد ومتجبر ويعطيه البيعة وتحت اي ظرف كان وباي ثمن فكانت الانتفاضة وتتوالى الاحداث ليكتمل فصل ( الوسط ) في مقتل سيدنا مسلم بن عقيل عليه السلام ونجاح المؤامرة الاموية للقضاء وتشتيت مناصروا الامام واتباعه لكي ينفردو به وبمن معه . ويكون الفصل الاخير في مسير الامام الحسين عليه السلام الى الكوفة وعدم سماع الذين قالوا بان المسير الى الكوفة معناه الهلاك والموت وكانت صرخة مدوية بوجه التاريخ ( ما جئت اشرا ولا بطرا ولا ظالما ولكن جئت من اجل اصلاح امة جدي ) . فكان الحوار الذي شكل حجج دامغة لايرتقي اليه حوار وفي التحليل النفسي للشخصيات لايمكن ان تساويها اية شخصية وهي تقبل للموت بفرح وزهو وبحلة كانها حلة يوم عيد . ولهذا كانت القضية الدرامية في اوج عظمتها – الذروة – والتي اتخذ فيها الامام الحسين عليه السلام قرار القتال بالرغم من قلة العدة والعدد وقاتل بمن معه من عياله واصحابه حتى الرمق الاخير لتسدل الستار على مصارع الطالبيين وصحابتهم على الرمضاء وهجوم الرعاع على الخيام ونهبها وحرقها ولكن الحقيقة الدامغة لهذه الدراما الازلية انها بدات ولم تنته كما توهم الراسمون لها فقد ( انتصر الدم على السيف ) وتميزت هذه الملحمة بانها احتوت على كل القيم الفنية والجمالية في بناء دراما نموذجية قبلة لصانعي الدراما ومنبعا وهاجا لهم يجب العودة اليه بكل مفرداته . وصارت الدماء التي سالت نيرانا الهبت اجساد كل الذين شاركوا في قتل هذه الثلة الشريفة  ولاقوا مصيرهم وصاروا عبرة لكل من يتطاول على ال البيت عليهم السلام وتحولت الى نور يضيء العقول والضمائر في كل مكان وزمان وتنتشر بسرعة لتنير القلوب وتحيي الضمائر وتفتح البصائر. فتحولت صورها الى لوحات فنية لاتضاهيها لوحات وقصص لاتنافسها قصص والحان تتجدد وتنبعث من واحدة لاخرى واناشيد مؤثرة يتفاعل معها الوجدان . وصار فصل السبايا وقصة الامام زين العابدين عليه السلام نبراسا يدق ناقوس الخطباء والقانونيين والحكماء وعليهم الرجوع اليه وما زينب الكبرى الا مدرسة كبيرة سطرت اروع الدروس وانبلها في الشجاعة والفصاحة والقاء الحجة والدفاع عن الموقف بالرغم من الجراحات الغائرة . وما كان من الطغاة البغاة الا اكمال الفصل الدرامي التراجيدي الذي حاولوا رسمه متوهمين بان الستلر ستسدل ويصفق لهم الجمهور لانهم قادرون على صنع ملحمة درامية ناجحة وكما يشاؤون ولكن نسوا الله فانساهم انفسم ( وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين ) وباؤا بالفشل والخذلان فخسروا الدنيا والاخرة . وعلت كلمة الله وهي العليا لتكون الدراما التي سطر كلماتها الباري لا يمكن لشارب خمروفاسد ومتسلط ان يطفيء نورها وتوهجها ( يريدون ان يطفؤا نور الله بافواههم  ويابى الله الا ان يتم نوره ) .
فكانت وستظل ملحمة متوهجة بالعطاء في كل ميادين الحياة وهاهو الحسين عليه السلام مظلة يستضل بها كل خائف وتضل قبته يستجاب تحتها الدعاء والصلاة فيها تمام وانعكاس انوارها قبلة للعالمين تكتمل فصول ملحمة هذه الملايين التي تهرع اليه مشيا على الاقدام من كل صوب ومكان والكل ينادي ويصيح قلبه قبل لسانه : لبيك ياحسين … لبيك ياحسين
حتى ياتي اليوم الذي ياذن الله به لوليه قائم ال محمد  عليه السلام وتنتصرفيه راية الحق خفاقة  و سيعلم الذين ظلموا ال محمد اي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين .
وهي النهاية الحتمية والمنطقية لسير الاحداث الدرامية في ملحمة البطولة والفخار ملحمة الطف الخالدة