نهر الرمان.. سردية عراقية فريدة

نهر الرمان.. سردية عراقية فريدة

للأسف لم أتعرف إليه عن قرب من قبل، أديب عراقي متمرد وجريء، في السنين القليلة الماضية لفتت انتباهي غزارة إنتاجه، عشرات الأعمال السردية بين روايات وقصص وسير روائية، ولما يزل قلمه ممتلئاً بالحبر.

في روايته نهر الرمان، يقدّم الروائي العراقي شوقي كريم حسن نصاً مغايراً للمألوف، نصاً يتجاوز حدود الحكاية التقليدية إلى فضاء فلسفي غرائبي، يستعيد تجربة الموت الفردي ليضعها في مواجهة الموت الجماعي الذي عاشه العراقيون لعقود. ليست الرواية مجرد سرد عن جراحة وغياب عن الوعي، بل هي رحلة داخلية تمزج الفلسفة بالشعرية، والنوستالجيا الشعبية بقلق الأسئلة الوجودية.

رواية نهر الرمان ليست نصاً سردياً اعتيادياً بقدر ما هي مغامرة وجودية تتقاطع فيها الفلسفة مع الشعرية، والغرائبية مع الواقع المثقل بالموت. كتبها شوقي بعد تجربة شخصية مع الموت أثناء خضوعه لعملية جراحية، فكان أن تحولت لحظة الغياب عن الوعي إلى فضاء تتناوب فيه الأصوات الداخلية. العقل يحاول التفسير، القلب يغرق في الحنين، الجسد يقاوم الوجع، والروح تترنح بين الرغبة في الخلاص والخوف من الفناء. هذا التشظي في الذات جعل الرواية أقرب إلى مسرح داخلي، حيث تدور حوارات صاخبة بين مكونات النفس البشرية وكأنها شخصيات متناحرة على خشبة الوعي.

العنوان ذاته يحيل إلى مفارقة رمزية عميقة: النهر بما يمثله من ديمومة وتدفق، والرمان بما يحمله من خصوبة وقداسة، يواجهان معاً جبروت الموت الذي يطلّ على كل صفحة. ومن خلال هذا العنوان يفتح الكاتب باب التأويل على أسئلة الحياة والموت، الأمل واليأس، الخصوبة والخراب. لكن النص لا يقف عند حدود التجربة الفردية، بل يمتد إلى المأساة العراقية الأوسع، حيث تحوّل الموت إلى ممارسة يومية في ظل الحروب والخراب، وصار الفقد جزءاً من تفاصيل العيش العادي.

لغة الرواية تنبض بوهج شعري وتستند إلى مزيج من السرد الفلسفي والوجداني، فمرة نقرأ تأملاً عميقاً في معنى الموت، ومرة نصغي إلى نبرة عامية حميمية تحيل إلى ذاكرة الناس وحكاياتهم. هذه المزاوجة بين الفلسفي واليومي منحت الرواية قوة تعبيرية مضاعفة، وجعلتها نصاً يتجاوز الحكاية إلى فضاء الأسئلة الكبرى. كما أن بعض المشاهد الرمزية، مثل حوار الضابط والجندي المجنون، تكثّف عبثية الواقع العراقي وتفضح مفارقات السلطة والحرب والجنون.

أحدث المقالات

أحدث المقالات