22 ديسمبر، 2024 6:25 م

نهج مسار التحولات الاقتصادية الناهضة في دول الخليج العربي

نهج مسار التحولات الاقتصادية الناهضة في دول الخليج العربي

نهج مسار التحولات الاقتصادية الناهضة في دول الخليج العربي وعلاقته بالنمو الاقتصادي والتنمية في العراق …
في ظل استمرار الازمة الروسية الاوكرانية والتحولات العالمية في امدادات الطاقة والغذاء وتعقيد سلاسل القيمة، والمقدمات لاعادة تشكيل النظام العالمي الجديد . هنا نتساءل بموضوعية ؟ أين يقع موقع العراق في هذا التشكيل الجديد وما هو دوره الارتكازية والمحوري جيو سياسياً وجيو استراتيجياً وجيو اقتصادياً ونهضوياً !!!

من المرجح أن تستهلك الدول الأغنى في الشرق الأوسط صافي ثرواتها المالية البالغة نحو تريليوني دولار بحلول عام 2034، وتتحول من دول ثرية إلى دول ذات مديونيات عالية، وخاصة أنّ نصيب عائدات النفط تشكل من 70% إلى 90% من اجمالي الايرادات العامة لدول الخليج. وفي ظل اتجاه العالم نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة والبديلة في ظل استمرار انقسام العالم حول الحرب الروسية الاوكرانية والمصالح والنفوذ، واعادة تشكيل النظام العالمي الجديد ، يدفع ذلك دول الخليج للبحث عن استراتيجيات جديدة لدعم موازناتها في التنمية والاستثمار ، مثل اتباع سياسات تتضمن خفض الانفاق الحكومي، وتفرض ضرائب على نطاق واسع لتغطية النفقات.

جدير بالذكر أنّ دول مجلس التعاون الخليجي استطاعت على مدار عدة عقود، تحقيق نتائج اقتصادية قوية؛ حيث تعتمد تلك الدول على النفط كمصدر رئيس للدخل وللتصدير؛ مما مكنها من زيادة معدلات التوظيف في القطاع العام والإنفاق على البنية التحتية والصحة والتعليم. كما ساعد ذلك في رفع مستويات المعيشة؛ حيث تمتلك دول الخليج ثروة مؤكدة من النفط الخام والغاز الطبيعي ، وناتج محلي اجمالي متقدم في الشرق الاوسط ، فضلاً عن مقومات التجارة الدولية والمصادر البديلة للطاقة والموارد ، فهي تشكل قرابة ثلث الاحتياطات عالمياً ، وتزود العالم بأكثر من 15% من الطلب العالمي على النفط الخام، بقيادة المملكة العربية السعودية .

وفي هذا الصدد، يُذكر أنّ السعودية تُعد أكبر منتج للنفط الخام في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بمتوسط إنتاج يومي في الظروف الطبيعية يبلغ نحو 10 ملايين برميل يومياً ، كما تعد أكبر مصدّر عالمي بمتوسط يومي 7.5 ملايين برميل يومياً ، بينما تأتي الإمارات العربية كثالث أكبر منتج للنفط الخام في منظمة (أوبك) بعد السعودية والعراق، بمتوسط إنتاج يومي 3 ملايين برميل يومياً في الظروف الطبيعية.

وبالرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي اتخذت العديد من الخطوات لتحقيق المزيد من التنوع والتكامل الاقتصادي المرن ، إذ يتضح ذلك في خطط التنمية الاقتصادية لتلك الدول بخلاف العراق الذي لا تزال سطوة الامبريالية الامريكية وضغوطات وقيود سياسة الليبرالية للخزانة الامريكية وادواتها الاقتصادية المقيدة للتنمية والتحرر بمنزلة قيود دولية تبطئ من الانتاجية والنمو الاقتصادي والنهضة الاقتصادية والتنمية ، لكن اقتصادات مجلس التعاون الخليجي لا زالت تعتمد على الهيدروكربون؛ لذلك يعاني نموذج النمو الاقتصادي لتلك الدول من العديد من نقاط ضعف كثيرة ؛
تكمن أحد نقاط الضعف في أنّ النفط يمثل أكثر من 50% من الإيرادات المالية لدول الخليج -ماعدا الإمارات التي تمثل عائدات النفط لديها نحو 35% من الإيرادات المالية- ونحو 70% من الصادرات، كما يتراوح نصيب النفط من الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بين 30% إلى 50%؛ مما أدى إلى حدوث اختلالات هيكلية وبنيوية لاقتصادات تلك الدول نتيجة اعتمادها على مصدر رئيس واحد للدخل.

أصبحت معضلة التنويع الاقتصادي لدول الخليج العربي ضرورة حتمية وليست خياراً اقتصادياً متاحاً ، فمن المتوقع أن يشهد الاقتصاد العالمي تغيرات جذرية في السنوات القليلة القادمة؛ فالعديد من الدول تتجه نحو مصادر الطاقة المتجددة ومصادر مدخولات جديدة ، مما يؤثر بشكل واضح على الدول التي تعتمد في اقتصادها على النفط، ومن ثم ، سعت حكومات الدول النفطية إلى البدء بتنويع مصادر الدخل وتطوير حركة تدفقات رأس المال وتنمية موارد الصناديق السيادية والاستثمارية وصناديق التنمية، واستثمار مبالغ ضخمة في تطوير قطاع صناعات الطاقة الثقيلة. وقد بدأت في الآونة الأخيرة زيادة استعمال الغاز كوقود قي المحطات، والاهتمام بالتطور التكنولوجي للطاقات المستدامة، وبالفعل بدأت العديد من الدول الصناعية وضع أطر تشريعية لتشجيع تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ومن المتوقع أن تنخفض العائدات من النفط بسبب تراجع الطلب العالمي على النفط ابتداء من العام 2040 تقريباً . كل ذلك يفسر أنّ هناك توجه عالمي نحو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والمستدامة فضلاً عن انتقال سلال توريد النفط والغاز ونشوء اسواق طاقة جديدة لاسباب جيوسياسية وجيواستراتيجية ، كما ارتفعت عدد مشروعات الطاقة المستدامة في عديد من الدول حتى المنتجة للنفط مثل السعودية، والإمارات والنرويج، ويتزامن ذلك مع اهتمام العديد من الحكومات بالتغييرات المناخية والبيئة النظيفة لتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

ومن شأن ذلك التنويع الاقتصادي أن يؤسس للاقتصاد العراقي غير النفطي ذات الاثر الاقتصادي والتنمية الايجابي اقتصادياً وتجاريا وصناعياً وزراعياً وسياحياً ومدى العلاقة التبادلية مع الناتج المحلي الاجمالي لدول الخليج ان يعطي حافزاً اضافياً للعراق في الاستخدام الكامن للطاقات والموارد والبنية التحتية بغية تغيير مدخولات الاقتصادية والمالية وتنشيط مسار التنمية وفق منهجية اقتصادية نهضوية جديدة ، الذي سنشهده عندما تبدأ عائدات النفط في التضاؤل، كما أنّه يقلل من التعرض للتقلبات وعدم اليقين في سوق النفط العالمية، ويساعد على خلق فرص عمل وشراكات واعدة حقيقية في القطاع الخاص، ويزيد الإنتاجية والنمو المستدام.

وبالفعل، تبنت دول الخليج عدداً من السياسات الناهضة تنموياً ؛ لتنويع مصادر الدخل وتقليل اعتمادها على النفط، وتحققت بيئة اقتصادية بها معدلات منخفضة للتضخم، وتعزيز مناخ الأعمال، وتحرير التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر، وتعميق القطاع المالي، كما يجري تنفيذ خطط التنمية الوطنية بهدف تعزيز رأس المال البشري للمواطنين، وتطوير الصناعات والخدمات جديدة.

وتجدر الإشارة إلى أن انخفاض أسعار النفط عام 2014، وبداية حدوث عجز مالي لدول الخليج كان بمثابة جرس إنذار، مما ترتب علية ظهور عهد بداية الإصلاحات الاقتصادية لتقليل اعتمادها على النفط، وعليه، تبنت جميع دول مجلس التعاون الخليجي رؤى استراتيجية جديدة في تنفيذ إصلاحات هيكلية ومالية واسعة النطاق، أبرزها دولتي السعودية والامارات، بينما العراق لا يزال يسابق الزمن ليصنع لنفسه لنموذجه الاصلاحي الاقتصادي والمالي الواعد .
نرى ان مهمة العراق استراتيجياً ونهضوياً وتنموياً في النجاح في تشكيل وتأسيس صندوق العراق السيادي وصندوق تنمية الاجيال
ومن ثم التحول الى نظام مالي ونقدي مرن جديد نحو تحقيق ازدهار العراق وتحقيق النهضة الاقتصادية المأمولة.