القرار الأردني الأخير بإغلاق مكاتب جماعة الإخوان المسلمين ومنعهم من ممارسة أي نشاط سياسي داخل المملكة لا يمكن اعتباره قراراً سياسيا عادياً بل هو تعبير صريح عن نهاية مرحلة طويلة من التعايش الحذر بين الدولة والجماعة مرحلة شابها الكثير من التوترات والاختلالات في العلاقة بين الولاء الوطني والانتماء العقائدي حيث ظلت جماعة الإخوان تشكل رقماً صعباً في المعادلة السياسية الأردنية بدعم إقليمي وتاريخ طويل من النفوذ في الشارع والمؤسسات وكانت تدير لعبتها بخبث داخل الأردن .ما حدث مؤخراً في عمّان يؤشر إلى أن من أسّس هذه الجماعة ومن وظّفها في مراحل متعددة بات يعتبرها عبئاً سياسياً وأمنياً أكثر من كونها ورقة رابحة كما كانت في السابق لقد تأسست الجماعة في ظروف الحرب الباردة واستُخدمت كأداة لمواجهة المد القومي واليساري في العالم العربي ثم وُظفت لاحقاً في مشاريع سياسية إقليمية طموحة لكنها مع الوقت تحولت إلى عبء ثقيل لا يتماشى مع توجهات الدول الباحثة عن الاستقرار وتحييد الأيديولوجيات الراديكالية من المجال العام اليوم أصبح من الواضح أن الإخوان باتوا حزباً منتهي الصلاحية لم يعد أحد بحاجة إلى خدماته لا في الداخل ولا في الإقليم خاصة بعد أن تكشّفت أدوارهم في زعزعة الاستقرار وتغذية الانقسام المجتمعي وسقوطهم في اختبار الحكم بعد أحداث ما سمي بالربيع العربي هذا السقوط لم يكن إلا نتيجة طبيعية لتضخم الأيديولوجيا على حساب الواقعية السياسية وفشلهم في التحول إلى قوى مدنية حقيقية وإذا كانت المملكة الأردنية قد بدأت بتصفية هذه الحالة فربما يكون القادم هو نهاية التيار السلفي التكفيري الذي لطالما أساء للإسلام والإنسانية على حد سواء هذا التيار الذي خرجت من رحمه أغلب التنظيمات الإرهابية التي شوّهت صورة المسلمين في العالم يجب أن يُعاد النظر في جذوره الفكرية ومنابعه المؤسسية وهنا يمكن الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية بدأت فعلياً بإعادة بناء خطابها الديني بما يتماشى مع متطلبات الدولة الحديثة والتزاماتها الدولية ومكانتها في العالم الإسلامي.
السلفية التكفيرية التي أسستها أجهزة مخابراتية عالمية في بداية القرن التاسع عشر جاءت كمشروع طويل الأمد هدفه إفساد الصورة الحقيقية للإسلام وتسويقه في الذهنية الغربية على أنه دين عنف ودمار وعداء للحضارة وقد نجحت هذه الجماعات في تنفيذ المهمة الموكلة إليها عبر بث الكراهية وتكفير المجتمعات وتبرير القتل تحت شعارات دينية مزيفة مما رسخ في الأذهان الغربية صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين السعودية تخوض اليوم معركة فكرية عميقة تهدف إلى تقويض الأسس التي قامت عليها الجماعات المتشددة بدءاً من التعليم والخطاب الديني ووصولاً إلى المجال العام وهي بذلك تقدم نموذجاً عربياً جديداً في التعامل مع التيارات الدينية السياسية بعيداً عن المجاملة والازدواجية في المواقف إن ما نشهده حالياً هو بداية مرحلة جديدة من التاريخ العربي الحديث مرحلة ما بعد الإسلام السياسي التكفيري و التي تسعى فيها الدول إلى استعادة هيبتها وبناء مفهوم المواطنة على أسس مدنية حديثة لا تقبل الاختطاف الأيديولوجي ولا التوظيف الديني للمصالح السياسية آن الأوان لأن يخرج الدين من معترك الصراع السياسي ويعود إلى مكانه الطبيعي كقيمة روحية وأخلاقية تسند المجتمعات لا أن تقسمها العالم الإسلامي تضرر كثيرا من تلك التنظيمات المتشدد وعانه من جرائمهم التي ارتكبوها بكل بقعه من بقاع البلاد العربية .والعالم اليوم يحتاج إلى إنهاء دور البلدان التي تساعدهم وتدعمهم مثل قطر وتركيا واستخدمتهم ورقه نفوذ وتأثير على البلدان الأخرى .