23 ديسمبر، 2024 5:09 ص

نهاية الرقص على رؤوس الأفاعي

نهاية الرقص على رؤوس الأفاعي

لطالما تفاخر المخلوع الراحل علي عبد الله صالح بالرقص على رؤوس الثعابين، على مدى ثلاثة عقود من الزمن وبضع سنوات، إلا أن الأقدار وضعت نهاية مأساوية لهذا الرقص، في ضواحي صنعاء رقص الحوثيون الرقصة الأخيرة على جثته، بعد تصفيته بطريقة بشعة للغاية، لا يزال الغموض يحيط بتفاصيلها. رقص صالح على رؤوس اليمنيين كثيرا، رقص فوق جراحهم وآلامهم، آمالهم وتطلعاتهم، أفراحهم وضحكاتهم، أحزانهم ودموعهم، ثم وصفهم بالأفاعي، وابتسم وهو يرددها أكثر من مرة.

بدأ صالح أولى حفلات الرقص المزعومة، بقتل الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي، في مأدبة غداء أقيمت في منزل الرئيس الأسبق حسين الغشمي، حسب ما ذكرته ويكليكس، في إحدى البرقيات المسربة، حيث أن صالح كان ثالث ثلاثة، تولوا عملية اغتيال الحمدي وشقيقه، واستمر صالح في ألاعيبه الخبيثة حتى وصل سدة الحكم عام 1978.

خلال فترة حكمه، وحتى خلعه ومقتله، مارس صالح لعبته المفضلة في الرقص على رؤوس الأفاعي، تحالف مع الاشتراكيين، ثم انقلب عليهم، وتحالف مع الإصلاحيين نكاية بهم، ثم ما لبث أن انقلب على الإصلاحيين، وفتح المجال لميليشيا جديدة، للدخول إلى المشهد، خاض معهم حروب لم تزدهم إلا قوة، وتمكينا، في معركة بدت وكأنها مناورات أقرب منها للحرب، وحدهم أبناء صعدة من كانوا ضحية ست حروب، في مقابل تمكين الحوثيين أكثر فأكثر.

مع انطلاقة الثورات العربية، خرج اليمنيون بصدورهم العارية في شوارع المدن، وساحاتها، طالبوه بالتنحي، والرحيل من السلطة، بعد عجزه عن تحقيق أبسط مقومات حياتهم في العيش الكريم، لكنه طغى وتجبر، قال لهم: فاتكم القطار، ثم حرض أنصاره عليهم قائلا: واجهوا التحدي بالتحدي.

لم يكن أحد من شباب الثورة يتوقع أن ينهي صالح حياته بقذيفة آر بي جي، تخترق وجهه، وتطمس معالمه، وتحيله إلى كتلة من الدم، قتل صالح المئات من المتظاهرين وأصاب أضعافهم، قبل أن يرضخ لطوق نجاة وفره الأشقاء، في إطار المبادرة الخليجية، تنحى لكنه بقي خلف الستار يحيك الكثير من الأمور، ويرقص في الغرف المظلمة، بعد أن كان يرقص في وضح النهار.

في إطار الرقص على رؤوس الأفاعي، تحالف صالح مع ميليشيا الحوثي، لإشباع شهوة أحقاده، وانتقاما من الشعب وثورة فبراير، مهد لهم دخول المدن بالتنسيق مع أطراف إقليمية، عبر قوات الحرس الجمهوري الذي كان يسيطر عليه فعليا، وأصبح الحوثيون قوة كبيرة بعد أن كانوا حركة صغيرة، لم تستطع اقتحام قرية دماج، معقل السلفيين، وهي قرية صغيرة في صعدة، جرى تهجير سكانها وفق توجيهات رئاسية.

آلاف الشهداء والجرحى، وأضعافهم من المشردين، في عدة محافظات يمنية، يعلمون جيدا أن مآسيهم، وجراحهم، يقف خلفها تحالف الحوثي وصالح، ومن الصعب أن تنسى جرائم الرجل، لمجرد أنه أعلن انتصاره لنفسه، متدثرا بغطاء الوطن والجمهورية.

يدرك الحوثيون جيدا أن صالح متقلب المواقف، مارسوا معه الرقص فوق أشلاء اليمنيين، في تعز وعدن والبيضاء، وفجروا المنازل والمساجد، وشردوا الآلاف من بيوتهم، فعلوا كل ذلك معاً، تباهى صالح بتحالفه معهم، وأشاد بأدوارهم العبثية، وجرائمهم بحق الشعب، على أن هذا التحالف لم يمنع العصابات الحوثية من التوغل في معسكر صالح كثيرا، وكسب ولاءات قياداته العسكرية، تحسبا لأي خطوة معاكسة قد يقوم بها الرجل، وعند أول خطوة اتخذها ضدهم بعد تضييق الخناق عليه، قتلوه شر قتلة، في مشهد أقرب لمشهد مصرع طاغية ليبيا معمر القذافي، ويمكن القول إنه بمصرع الطاغية صالح، انتهى الرقص على رؤوس الأفاعي إلى الأبد.

اختار صالح نهايته بنفسه، رسمها منذ وقت مبكر، يوم أعلن تحالفه مع عصابات دموية، لا تؤمن بالعمل السياسي، بقدر ما تؤمن بلغة القوة والسلاح، عصابة مجردة من القيم والأخلاق، لا تلتزم بعهد أو ميثاق، منذ أول يوم تأسست فيه، كان صالح يعلم ذلك جيداً، لكنه قرر الرقص معهم، في مسرح الخيانة للجمهورية والشعب والأرض اليمنية، فكان عدلا أن يذوق بعض ما أذاقه للناس طيلة سنوات وسنوات.

رحل صالح غير مأسوف عليه، لكن رحيله ترك أسئلة حتمية تدور في أذهان الجميع: ماذا لو أن صالح رضي بالعيش مخلوعا بعيدا عن قذارات السياسة والرقص على رؤوس الأفاعي، بدلا من التآمر على الشعب، والتحالف مع أذناب إيران، وتمكينهم من اليمن؟