9 أبريل، 2024 5:48 م
Search
Close this search box.

نموذج من الماضي القريب ، عريف صبار

Facebook
Twitter
LinkedIn

في سبعينيات القرن الماضي قررت الادارة المحلية آنذاك ايصال الماء من قريتنا الى القرية المجاورة من خلال حفر نهر يمتد لثلاثة كيلو متران تقريبا ،وقد اوكلت هذه المهمة الى الفلاحين في كلا القريتين ،وكان نصيب كل فلاح مسافة محددة عليه ان يقوم بحفرها،وعندما بدأ العمل ترى الفلاح ينهض مبكرا وليس في ذهنه شيء سوى ان يحمل معوله او مسحاته ويتجه الى المكان المطلوب حفره 00كان هناك شرطي واحد لاتزال الذاكرة تحتفظ بأسمه هو العريف صبار اوكلت اليه مهمة الاشراف على العمل ومتابعة اكمال الحفر كان عريف صبار معززا مكرما بين اهالي القريتين ،اوامره مطاعة ،وكلامه مسموع،وعندما يقترب من اي فلاح في مكان عمله ترى ذلك الفلاح قد ازداد همة ونشاطا  واندفاعا00لم يكن ذلك العريف يرفع صوته على احد ولم يسمع الفلاحون منه كلاما خشنا ،بل كان على ارفع مايكون في حسن التصرف والهيبة والوقار،وعندما يكون بين الفلاحين اثناء العمل في حفر ذلك النهر يحرص على ان يكون بكامل قيافته،ولمعان الازرار النحاسية تزيد بدلته رونقا وبهاء0   
اليوم اختلف كل شيء هذا واقع لابد ان نعترف به،عريف الامس لايشبه عريف اليوم،العادات تغيرت،والسلوكيات تبدلت0       
دعونا نطل على مشهد حياتنا اليومية ،لننظرالى مفارز ودوريات الشرطة المنتشرة  في شوارعنا،وفي اسواقنا،وأمام الدوائر الحكومية والمدارس والمستشفيات،رغم اعدادها الكبيرة ألا ان المخالفات والتجاوزات ترتكب جهارا نهارا  0
ماهو السبب؟ 00 من المؤكد هناك عوامل وظروف ادت الى احداث تغيرات كبيرة في مجمل منظومة القيم الاجتماعية انعكست على سلوك الفرد وطبيعة تعامله مع واقع الحياة اليومية وكذلك على الاداء الوظيفي للعاملين في اجهزة الدولة.
علينا ان نبحث في ظاهرة التراجع الذي نعيشه في مختلف جوانب حياتنا ،حتى اصبح واحدنا نحن جيل الستينيات والسبعينيات على الاقل،نمتلئ حسرة  عندما تعود بنا الذاكرة الى تلك الأيام  باختصار كانت هناك قيم فاعلة في توجيه افراد المجتمع نحو التصرف بسلوكية متوازنة  والتفكير بعقلية ناضجة ،كان هناك موروث من العرف الاجتماعي على اساسه يقاس التزام الفرد الاخلاقي والتربوي ومايترتب على هذا الالتزام من قيمة اجتماعية يحرص الفرد على بلوغها من خلال الاندماج في المجتمع والتفاعل الايجابي مع همومه وقضاياه واشكالياته بالدور المؤثر والتعاون المثمر0ولقد كان من تأثير العرف الاجتماعي احترام الفانون وتبعا لهذا الاحترام كان الموظف الحكومي  في كافة الميادين الرسمية يحظى بأحترام وتوقير
ماأصاب البنية الاجتماعية نتيجة الظروف والتقلبات التي مر بها مجتمعنا ادى الى اضمحلال كثير من الثوابت والقيم وانحسار دورها مما انعكس على مانراه في واقعنا الحاضرمن سلوكيات تظهر هنا وهناك تخرق النظام الاجتماعي وتتجاوز القوانين0
الفرق بين ظروف عريف صبار وظروف رجل الشرطة اليوم يعود الى السبب المتقدم 0
نحتاج الى مشروع وطني يتبنى احياء تراثنا الاجتماعي وإعادة الحياة لمنظومة قيمنا الاخلاقية  وقبل كل شيء نحتاج ان نرتقي بمستوى حياة المجتمع ورفاهيته وإيجاد بيئة تسعد الانسان وتبعث فيه مباديء الخير والفصيلة والله الموفق.    

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب