18 ديسمبر، 2024 8:52 م

نمطية المجتمع العراقي …واثاره السلبية

نمطية المجتمع العراقي …واثاره السلبية

المجتمع العراقي مجتمع غني بالصور النمطيه وهي ببساطة انطباع يؤدي الى حكم مسبق دون المعرفة بالحيثيات والظروف ..والنمطية في علم نفس السلوك المجتمعي ظاهرة اكتشفت في القرن الثامن عشر حينما تنبه اليها الباحثون ووجدوا ان المجتمعات قد تكون غارقة في سلوكيات نمطيه مقولبه تحتاج الى أجيال لتغيرها .

النمطية او الكليشه التي اشتق اسمها منه حيث تسمى علميا ب الستيريوتايب وهو مصطلح لكليشة الطباعة او القالب وعودة الى مجتمعنا العراقي فقد عملت القصص والحكايات الموروثه على تشكيل صور نمطيه ترسخت في ذهن كل العراقيين ثم اختلطت بها القصص والروايات الوافدة من الثقافات المجاورة وعززها الاعلام المقروء والصحف ثم الاعلام المسموع فالمرئي مع ما رسخته العقائد والتقليد والمنابر ..لذلك فالصورة النمطيه يمكن تأطيرها او تدويرها ولكن من الصعب مسحها الا بتبدل ثوري في العقل والابتعاد عن الموروث السلبي .

ان صورنا النمطيه لها منابع وجذور منها جغرافي ومنها ما يتعلق بالاصول والانساب ومنها ديني ومنها مهني ومنها ما يتعلق بالجنس البشري وحتى الحيوان والنبات والجماد لم يسلم من ذلك وبالرغم من التطور المعرفي الا اننا لا نزال اسرى لبعضا من تلك الصور ولايضاح الفكرة لابد من التطرق لحكاية الفيل والعميان الثلاث حينما ادخل ثلاث عميان في غرفة وضع فيها فيل وحينما خرجو من الغرفة سألوهم عما وجدوه في الغرفة فقال الاول وجدت أربعة من الاعمده وقال الثاني في الغرفة ثعبان ضخم وقال الثالث بها مكنسة كبيرة او مقشه وقد أصاب الجميع جزء من الحقيقة لكنهم ابتعدوا كثيرا عن الواقع وهكذا الحال في مجتمعنا فحينما تقول ان هذا الرجل من الريف يتبادر لذهنك فورا انه بسيط وغشيم وميفتهم لكنه شهم وسبع وكريم وهكذا تكون الصورة النمطية في مخزونك الفكري هي المتحكم الأسبق في الانطباع وقد تكون كل هذه الصفات غير موجودة في الشخص وكذلك اذا كنت من سكنةمدينة المنصور في بغداد وعرفك شخص على رجل من مدينة الثورة فقد تأخذ صديقك جانبا وتعاتبه لأنه عرفك على شخص من تلك المدينة كونك تحمل ذهنيا صورة نمطية سلبية عن كل سكنتها ترسخت من بدايات العقد الثالث من القرن الماضي حينما كانت تلك المدينة موطنا للخارجين عن القانون خلف السدة ، ولغرض ضمان عدم الاختلاط بهم نسج الناس حكايات وقصص في ذهن الأطفال تصف هؤلاء بالمجرمين والمغتصبين والخارجين عن القانون ومهما حاول المجتمع بعد ذلك لتصحيح تلك الاوهام لم يتمكن ، ولم ينصهر المجتمع الحضري البغدادي مع هؤلاء كما لم يتصاهروا على الرغم من حواضن الاختلاط واوعيته كالجامعات والدوائر الحكومية والتجنيد الالزامي وعلى سبيل المثال مع الاعتذار مسبقا ، يرى ابن مدينة الثورة أبناء مدينة المنصور او الاعظمية بانهم مخانيث وضعفاء وجبناء بناء على صور زرعت في اذهانهم منذ الصغر .

لم تسلم الحرف والمهن من تلك الصور السلبية فنالت من الحائك ومربي الطيور( المطيرجي ) والحارس والحلاق والممرضه والحلاقة النسائية وسدنة المراقد والدفان كما لم تسلم الانساب

والأصول القبلية من تلك الصور فهذا عجمي وهذا شروكي وهذا كردي وافيلي وهنود ولكل منهم صورة سلبية قاتمة زرعها الموروث في عقولنا .

اهم ما يرسخ الصورة النمطية السلبية هو السلوك المنحرف والانتهاكات والتجاوزات والانحدار الأخلاقي أي ان هناك من يقوم ببناء صور نمطية سلبية جديده مستخدما مايتاح اليوم من وسائط للنشر بالصوت والصورة وهذا للأسف يكون عابر للحدود ويشكل بمجمله انطباعا ينعكس على عموم المجتمع . لو انك رغبت بالسفر الى مصر فاول النصائح هي التحذير من السرقة والنصب فهذه صورة المصري المترسخة باذهاننا رغم انهم بناة حضارة وقيم بسبب تصرفات البعض منهم خلال فترة تواجدهم بالعراق .

اليوم اذن الكل مسؤول عن بناء انطباع إيجابي عن المجتمع عن طريق نشر الفضيلة والحسنات لا العكس فلو انك قلت بان فلان ضابط شرطة ستقفز في ذهنك انه مرتشي ، مع انه يسهر الليل من اجل الامن وفرض القانون ، وكذلك حينما تقول ان فلان قائد في الجيش راسا ستطغي صورة اللص المحترف وجابي الاتاوات في ذهنك عكس ما كانت صورة هؤلاء في السبعينيات او الثمانينيات لان تلك الصور السلبية عززها اليوم الثراء والقصور التي بات يمتلكها كل من اثرى على حساب منصبه وترى ان كل من حوله يبتسمون امامه ولكنهم يتسائلون بينهم خلف ظهره من اين اتى بكل تلك الثروة ، وهل مرتبه يغطي كل تلك القفزات الاقتصادية ؟ وهم متيقنون انه حرامي بامتياز ، اذن تشكلت صور نمطية جديدة الغت الصور القديمة فبعد ان كانت صورة الضابط رمزا للشجاعة والنزاهة والشرف أصبحت رمزا للتسلط والنهب والاحتيال المشرعن في فنون الصرفيات ولك ان تقارن بين قادة الامس القريب الذين لم يتملكوا الا بيوتا بنوها على ارض وزعتها الدولة وشملت الجميع كزيونه واليرموك والسيدية والغزالية وغيرها …. وحينما تذكر البرلماني فهو لص ببدلة ورباط والوزير والمدير ورجل الدين كل يرسم صورة نمطية سلبية لن يكون من السهل تجاوزها .

اتصل بي احد الأصدقاء واخبرني بان ابنه بعد ان اكمل الدراسة الإعدادية تقدم للقبول في الكلية العسكرية رغم معدله العالي ، لا ليخدم شعبه ووطنه ولكن لانه الطريق الأقصر ( للطكوك ) حيث يرى ان من تخرج قبله بسنة بات اليوم يمتلك سيارة حديثه وزوجة وعائلة لانه نسب في نقطة سيطرة على الطرق الخارجية ، ولكم ان تتخيلوا كيف اننا اسأنا لنمطية مجتمعنا بسبب غياب الاخلاق وشرعنة النهب فاضحى الباحث عن منصب يدفع مقدما لمزاد المنصب وكل ذلك يحدث امام عائلته بل قد تشارك الزوجه والابناء والاهل في جمع المبلغ المطلوب لعلمهم ان جناب الوالد سبع ويطلع المبلغ في اول ثلاث اشهر من توليه الموقع ، حتى ان احد البرلمانيون في لقاء متلفز قال المشكلة ان العوائل أصبحت تتقبل المال الحرام فحينما يدخل رب الاسرة حاملا حقيبة مملوءة بالدولارات من رشوة او ابتزاز ، الكل يفرح ويستبشر ويسألون الوالد ماذا سنشتري فيلا جديده ام مصوغات ذهبية لماما ام نغير السيارة وهم يغرقون برذيلة مخلة ستوقع بهم عاجلا، وستطفوا جليا خطيئتهم بمجرد مغادرته للمنصب وستنبذ عائلته كونهم قد تربوا من المال الحرام ، وكم من فاسد قضى اخر عمره في زنزانة جشعه.

ارحموا صورتنا النمطية فقد اخزيتمونا واسأتوا لأنتماؤنا وكفى .