23 ديسمبر، 2024 4:02 م

نلسون مانديلا وسبارتكوس ولقاء الجزائر

نلسون مانديلا وسبارتكوس ولقاء الجزائر

عرفت نلسون مانديلا الرجل الشجاع , ورجل المقاومه ,  وواحد  من الزعماء الاكثر التزاما ونضالا  ضد التمييز العنصري وانا طفل في العاشرة من عمري في الستينات من القرن الماضي , عندما اثارت انتباهي صورة رجل اسود في احدى الصحف  وهو يبتسم لجلاده  الشرطي الابيض .
 الصوره  حفزتني لاحمل اسألتي الكثيرة التي لم تتوقف , لأوجهها الى اخي الكبير الذي شرح لي ببساطه مفصله مواقف  مانديلا البطل , ودفاعه عن  شعبه بوجه النظام العنصري الذي يحكم بلاده جنوب افريقيا .
 ومنذ تلك اللحظه , لا اعلم لماذا رسمت مخيلتي  الطفولية  صورة مقارنه لمانديلا مع البطل الاسطوري الروماني سبارتكوس , الذي كنت قرأت له قصه مصوره اقتنيتها من المكتبه المجاورة لدارنا , وقبلها , كنت قد شاهدت فيلما يحكي قصته , اصطحبني اخي  لمشاهدته في واحدة من دور السينما التي كانت تزخر بها  مدن العراق .
 ويبدو اني جعلت  لسبارتكوس البطل بطلاً رديفاً  له ما زال حياً يقبع في سجن ببلاده, يدعى نلسون مانديلا  ينتظر ان ينضوي تحت لوائه الالاف المؤلفه من شعبه , ويقود ثوره شبيهة بثورة العبيد  التي قادها سبارتكوس  … ولكي احقق واقعية لتصوراتي حولت بعض منها  الى صور , وكتابات  صممتها في نشرة جدارية اخترت موضوعاتها وصورها وتصميمها  بنفسي وقدمتها بعنوان (سبارتكوس الاسطوره ونلسون مانديلا الثائر ) الى معلم مرشد الصف في مدرستي الابتدائية , الذي شجعني وعبر عن اعجابه  بها , وقرر نشرها في مكان بارز في مدخل المدرسه متصدرة نشرات زملائي … لافاجأ  في اليوم الثاني استدعائي من قبل مدير المدرسة …!! ليوبخني ومعي المعلم لسماحه بنشر الافكار  الهدامه كما وصفها , محذراً اياي  العوده الى مثل هذه الممارسات مستقبلا.
 ورغم مرور سنوات طويلة على هذه الحادثة , وانا تلميذ وطالب في المدرسة والجامعة , متابعا اخبار الثائر مانديلا باهتمام في سجنه لم يبارحني سيناريو  ثورة العبيد  ضد الطغيان في بلده جنوب افريقيا  وكنت على يقين  ان الثورة قادمه .. ولم يدر في خلدي ابدا ان مانديلا بمفرده , ومن سجنه الصغير , بصبره , ومصابرته , وعناده , وتفاؤله , وطيبته , وتواضعه , واصراره , على مبادئه وقضية شعبه  يمكن ان يختصر ثورة شعبه ويقود ثورة بيضاء , ضد قمع الاقلية البيضاء ويوفر على شعبه  المزيد من التضحيات , والدماء ,ويحقق المصالحة الوطنية والديمقراطية في بلاده. ,انه رجل الاسطورة بحق لايقارن الا بامثاله من الرجال مهاتاما غاندي ومارتن لوثر كينج الذين قلبوا  اساليب  النضال ووسائله ضد الطغاة ورسخوا مفاهيم جديده للديمقراطيه .
 بعد هذه السنوات الطويلة شاءت الصدف ان احضر المؤتمر الصحفي لمانديلا مراسلا لوكالة الانباء العراقية  (واع ) في اذار من عام 1990في العاصمة الجزائرية بعد زيارته القصيرة لها للتعبيرعن شكره للشعب الجزائري وثورته  المساند لنضال شعبه ضد الفصل العنصري , وبعد انتهاء المؤتمر الصحفي وجدت نفسي وجها لوجه مع مانديلا , اندفعت بحماس لامد يدي واصافحه بحراره  لتظل هذه اللحظات نقطه فارقه في حياتي …واتساءل , هل يمكن لاعجاب ان يكون له صداه في العقل الباطن , ليؤثر هو الاخر بتحقيق حلم ظل يراودني طوال حياتي ..!؟؟ وهل يمكن لشعب ييبع ويشتري العبودية , ان يفكر بعقله الباطن – على اقل تقدير – للتخلص من شتى انواع العبودية التي ترقد على صدره ..!؟؟ عسى ان يبتسم له القدر , كما ابتسم  لمانديلا وشعبه , حتى لو بعد ثلاثين عاما .