إسبوع مر على الموصل بعد سقوطها بيد المسلحين ولم يلح في الأفق حلولاً عسكرية أو سياسية . نكسة العاشر من حزيران العراقية لم يستفد منها سوى القيادة السياسية التي تدير إقليم كردستان ، حيث جاءتهم مدينة كركوك الغنية بالنفط على طبق من ذهب بعد إنهيار الجيش العراقي وإنسحابه بظروف غامضة لحد اللحظة . عاثت داعش في الموصل فساداً وسقط عامل الوقت من الحسبان بين تردد الرئيس الأمريكي الذي جمد إتفاقية الامن والدفاع المشترك التي إنسحب بموجبها الجيش الأمريكي من العراق في عام 2011 وبين إعلان الأستعدادات الأيرانية للتدخل . عامل الوقت أيضاً سقط من حسابات الحكومة العراقية التي تشتغل في حيز إعادة تنظيم الجيش وتعويضه بعدد المتطوعين الذين لبوا نداء الحكومة والمرجعية الشيعية وسط غياب سياسي كامل لاعادة التوافق السياسي بين السنة والشيعة والأكراد .
الأزمة التي يمر بها العراق والتي يراها الوطنيون العراقيون من جميع الطوائف أزمة كارثية تهدد وحدة العراق ووجوده ودوره الأقليمي وتأثيره الايجابي في عمقه العربي و العالمي لايراها كثير من القيادات السنية والكردية كذلك . فقد تحدث السيد نيجرفان البارزاني لأذاعة البي بي سي اذ قال: إن التاريخ الجديد بعد احتلال الموصل لا يعود الى تاريخ ماقبل إحتلالها وهناك لا حل ( اخر) برأي نيجرفان غير إقامة الاقليم السني . ملمحاً الى أن المدن التي انسحب منها الجيش العراقي وملأ فراغها قوات البيش مركه أصبحت جزء من ماضي الدولة العراقية . يستعجل الأكراد في إعلان وفاة الدولة العراقية لانها أمنية تخالجهم منذ إشتراكهم بالعملية السياسية . من هنا ندرك في البحث عن الجريمة الغامضة يجب أن نبحث عن المستفيد الأول ، فالاكراد لا يخفون فرحتهم بمايحدث وفي نفس الوقت يدفعون السنة بإتجاه المطالبة بحكم ذاتي يضعهم في موضع الشك في لعب دور كبير لماحدث .
حكم ذاتي للسنة
سكان المناطق المظطربة في الجزء الشمالي الغربي من العراق وهي مناطق تسكنها غالبية سنية ، للاسف غرر بهم منذ قيام الحكم الجديد بعد عام 2003 على ايدي القوات الامريكية . وقع سنة العراق تحت تأثير رجال الدين والسياسيين السنة وظهور مقاتلي القاعدة بين صفوفهم لمقاتلة النظام الجديد تحت يافطة مقاتلة الحكومة الشيعية الصفوية المؤيدة للغزو الأمريكي . لذلك فالمواطن في المناطق الغربية لديه رفض لكل ماهو حكومي ابتداءاً من الشرطة والجيش وإنتهاءاً بالسياسيين السنة المشتركين مع حكومة بغداد ولما كان الشيعة يشكلون النسبة الأكبر في البلاد لذا سيكون لونهم ظاهراً للعيان في الجيش الاتحادي والقوات الأمنية الأتحادية الامر الذي لا يقبل به الشارع السني العراقي .
تحت تأثير الأعلام الموجه والرافض للانصياع الى حكومة بغداد بدوافع اجندات ومصالح داخلية وأقليمية لبعض الساسة في المنطقة إستمرت المحافظات الغربية بالصراع مع الحكومة طيلة الفترة الماضية وتسبب ذلك بخسارة كبيرة لسكان تلك المدن وحرمانهم من إمكانية إعادة الاعمار وتوفير فرص العمل والحياة والاستقرار ولو نسبياً . هذا لايعني أن حكومة بغداد كانت مثالية بالتعامل مع المناطق السنية ، فالخطاب الحكومي السياسي والاعلامي يوفر فرص كبيرة لاثارة العداء ضدها ، وهناك تقصير واضح بعدم تربية وتدريب الجندي العراقي على اسس وطنية بل إحتفظ الجنود بشعارات مذهبية وإثارة النعرات مما تسبب بالتاثير سلباً على مشاعر الطرف الأخروهذا ماادى الى افشال مهمتهم في المنطقة الغربية ، بالاضافة الى التلكؤ بالاعمار وضبط المال العام وتطبيق القانون وتنظيم المدن واستيراد التكنولوجيا ليس في المناطق الغربية فحسب بل في عموم العراق . كل ذلك يدفع المناطق الغربية لعدم التنازل عن مواجهة الحكومة المركزية . الا أنه مايغيب عن أذهان الكثير وبينهم القادة الأكراد إن القيادات السنية التي تشعل الحرب على حكومة بغداد مسندة بعمق اقليمي تريد حكم العراق من الشمال الى الجنوب ، اي يريدون العودة الى أجندة حزب البعث التي حكمت العراق لفترة تزيد على الاربعة عقود ولن تقدم اي تقدم للمدن العراقية مجتمعة مع إهدار ثروة النفط على حروب مجنونة ضيعت البلاد والعباد.
ما اريد قوله ان النفخ بالاجندة السياسية في المحافظات السنية بعد إحتلال الموصل تحاول أن تصور مايحدث هناك هي ثورة وداعش ماهي الا جزء بسيط من مسلحي سكان تلك المناطق للمطالبة بحقوقهم والتحرر من سلطة الحكومة في بغداد . على الرغم ان هذا النفخ لم يقنع الدوائر العالمية بمصداقيته ، كما إن مظلومية السنة لاتصل الى استقدام الحيونات الكاسرة المفترسة الغرائزية الى بيوت الموصل وتكريت لغرض تخليصهم من الحكومة . خلال التمرد السني في تلك المحافظات لم يتبنى اي فصيل او قيادة سنية مشروع حكم ذاتي او انفصال عن العراق . معظم الاجندات السياسية لسنة العراق هي الدعوة لحكم وطني لكن قضية الأكثرية الشيعية التي أقرتها قوانين
الديمقراطية في العراق لايمكن ان تهضمها او تؤمن بها القيادات السنية . لهذا فقد كانت معظم الجهود التي حاولت القيادات السنية القيام بها في مناطقهم من اعتصامات وصدامت مسلحة وتسريب وايواء التفجيريين كانت من أجل تخريب المشروع الحكومي في العراق .
هذا الأمر تاريخياً لايمكن ان يتم وقد دفع ثمنه للاسف سكان المناطق الغربية الذين تورط الكثير من أبنائهم في جريمة حمل السلاح ضد الحكومة او استخدامهم كحاضنة للتكفيريين وفلول البعث المنحلة وأخر الغيث كان دخول داعش والقتال الى جانبها من أجل تقويض الحكومة (الرافضية الصفوية الشيعية المؤيدة لايران) هذه السموم شربها الشارع السني وحمل السلاح ضد حكومة بلده .
من غير الممكن الان الاستسلام لما أفرزته نكسة حزيران العراقية من دخول داعش وتحصن مسلحي بعض العشائر وفلول البعث في المدن التي غُدِر بها او بقاء كركوك والمناطق المتنازع عليها تحت ادارة حكومة البارزاني . هذا الوضع بجميع الأحوال مؤقت ولايمكن ان يكتسب شرعية او إستسلام من الحكومة العراقية أو من اللاعبين الكبار في المنطقة او الولايات المتحدة الامريكية . وقبل توفر الحل السياسي في سماع راي القيادات السنية – حيث لايمكن فتح حوار سياسي طالما الموصل وتكريت والانبار اسيرة للارهاب الداعشي – ستكون هناك ايام عسيرة تنتظرها تلك المدن . فالجيش العراقي مدعوماً بالمتطوعين العراقيين والضربات الجوية الامريكية والتفاهمات الايرانية الامريكية العراقية سيستعد لابادة تلك العصابات المهاجمة .
العراق الذي يملك التاثير بنسبة 60% من الطاقة البترولية العالمية سوف لن يتهاون العالم عن التدخل العسكري لحماية مصالحه . داعش والعصابات التي تقاتل الى جانبها سوف تحول مدن الغرب العراقي الى نسخ من المدن السورية . وأتمنى من أصحاب الأجندات السياسية ان لا يدفعوا المواطن في المناطق الغربية الى الموت بسيوف داعش او تحت نيران الجيش العراقي والامريكي وحرق تلك المدن الاثرية الجميلة وتحويلها الى اكوام من الخراب . المطالبة بالحقوق السياسية ممكنة عن طريق الحوار وليس الدسائس والمؤامرات والتعاون مع الارهاب ، حتى لو طالبتم بأقليم سني أو حكم ذاتي ممكن ولا أحد يستكثر عليكم ذلك لو كان الامر لصالح مواطنيكم وليس مرحلة من مراحل الاجندات الاقليمية التي تدفعكم لمواجهة الحكومة وتخريب مشروع الديمقراطية في العراق .