23 ديسمبر، 2024 11:08 م

نكتة الاصلاح السياسي والنهاية الميتة

نكتة الاصلاح السياسي والنهاية الميتة

لم يحظى أي مسؤول وحاكم في تاريخ العراق الحديث و المعاصر على مثل الدعم والاجماع الشعبي والديني والسياسي والاقليمي والدولي الذي حصل عليه الدكتور العبادي في سبيل الانطلاق بثورة لتصحيح مسار العملية السياسية المشلولة في العراق ، الدعم الذي (أفرزه) تفويض الحراك الجماهيري لحشود المتظاهرين المطالبة بالإصلاح في اغلب محافظات الجنوب والوسط ، ومنحه الشرعية والقوة تأييد المرجعية الدينية ومساندتها لخطوات عملية ، وكرسه التعامل الايجابي والاستعداد من قبل الكتل السياسية للتجاوب بدون شروط مع خطوات الاصلاح ، لكن كل ذلك الدعم والاحلام والامنيات من قبل الجميع ذهبت ادراج الرياح بعد ان لم تتمخض ثورة الاصلاحات العبادية الا عن اجراءات وقرارات ليست ترقيعية فقط وانما تكميلية لمسلسل الخيبة والخذلان للمواطن العراقي وبأثر رجعي ؟!     

السيد العبادي لم يكن وجهاً جديداً على الساحة السياسية ولا حديث العهد بتفاصيلها لأنه كان مشاركاً في جميع مراحل العملية السياسية وتقلباتها المستوية و(النص ستاو) وكذلك (طساتها) المتقلبة من حال الى حال أسوء ، فالرجل تنقل بين عدد من المناصب التشريعية والتنفيذية حاله حال الكثير من رفاقه في حزب الدعوة بداها وزيرا للاتصالات في العام (2003 ) ، ورئيسا للجنة الاقتصاد والاستثمار والاعمار في البرلمان للفترة (2006-2010 ) ، ثم رئيسا للجنة المالية النيابية للفترة (2011-2014 ) ، ونحن هنا لسنا بصدد تقييم عمله والتزامه في اداء مهامه السابقة ونسب النجاح فيها لان ذلك التقييم لا قيمة ولا تشريب له .

العبادي تسلم مهمته في طبخة سياسية سوف تبقى محل اشكالات ومثار لتأويلات معقدة ربما بقدر لا يقل عن التعقيد الذي كان ولا يزال متصدراً المشهد العراقي بكافه مجالاته وأصعدته ، وربما كان الرجل ضحية لحرب الزعامات المتقدة نيرانها في أروقة ودهاليز غرف مزايدات وصفقات الكتل السياسية ومن يديرها من خارج الحدود ، الا انه في كل الاحوال لم يستثمر الفرصة التاريخية التي اعدت له ليكون رجل المرحلة وصاحب الانطلاقة التاريخية في اعادة بناء العملية السياسية في العراق بعد التغيير .

قد يكون الدعم والمساندة التي حظي بها السيد العبادي والتي فاقت التصورات سبباً في تحميل الرجل مسؤولية تفوق امكانياته الذاتية بحيث جعلته متردداً قبل الخوض بقرارات اصلاحية أخرى ، أو انها منحته ثقة مفرطة جداً جعلته يسترخي لفترة بعد فورته التي تمثلت بقراراته الارتجالية بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وبقية قرارات الالغاء والدمج والالغاء التي جاءت استجابة للهيجان الشعبي وافرازاته المتزايدة ، او لعل ضربات العبادي الاستباقية العاجلة كلفته سخط الكثير من شركائه او المحيطين به في الداخل والخارج لأنها جاءت بصورة فورية وعشوائية وبشكل لا يتوافق مع سياسات أولئك الشركاء او مخططاتهم التي تم الاتفاق عليها مع العبادي قبل قرار إستيزاره .

 أن ظاهرة تصنيم المسؤول أو الحاكم أو القائد هي ظاهرة تعكس تنامي الجهالة والضحالة الاجتماعية كما انها الداء العضال وسبب لكل بلاء ومحن مر ويمر به العراق بلدا وشعبا منذ عقود ، لقد كان من الافضل لو ان الجماهير (المنتفضة) امهلت العبادي حتى يسترجع انفاس نشوة قرارات حزمته الاصلاحية الاولى وتمهلت قبل ان تخرج في مسيرات هتافاتها وشعاراتها التصنيمية التي كانت ولا تزال سببا في استهتار الحاكمين واستعباد المحكومين ، وربما كانت حملة (فوضناك) هي القشة التي قصمت ظهر بعير الاصلاحات العبادية لأنها جعلت العبادي مرتبكا ومستعجلا لاتخاذ خطوات متسرعة لم تأتي كما يشتهي (المتظاهرون) بل على العكس تماما وهو ما تبين بوضوح عبر سلسلة التظاهرات والاعتصامات التي قام بها الالاف من منتسبي وزرات الدولة كالتربية والصناعة والتعليم العالي والنفط وغيرها للتعبير عن الاحتجاج والرفض لسلم الرواتب الجديد المقترح من مجلس الوزراء ، ولم ينفع لقاء السيد العبادي مع اساتذة الجامعات العراقية وتوضيحه لاهم مبرراته في اقناعهم وتجاوبهم معها ، ولا زالت جميع الجامعات العراقية تشهد اضرابات واعتصامات وتعطيلا للدوام .

بالإضافة الى ذلك فأن ظاهرة الفيضانات التي شهدتها مدن البلاد نتيجة الامطار والتي كانت العاصمة بغداد ضحيتها الرئيسية بعد تعطلت الحياة فيها تماما وما رافقها من عجز على صعيد الاجراءات الخدمية للحكومة والاكتفاء بتعطيل الدوام الرسمي بالتزامن مع عدم فتح ملفات الفساد في مشاريع العاصمة من قبل رئيس الوزراء والاكتفاء بمسلسل الإقالات والاعفاءات ساهم في تنامي السخط الجماهيري ضد الحكومة ورئيسها وبدأ الجميع يعبر عن خيبة أمله بالعبادي واليأس من حزمة الاصلاحات التي استعاض عنها الكثيرون بجزمات قياس (أكس لارج) للتحرك في بحيرات مياه الامطار والمجاري التي غزت منازلهم وأغرقت احلامهم في مستنقعات موحلة بقاذورات السياسيين..

” أن اسوء ما في أحلامنا هي أنها في النهاية لا تحظى في الواقع بنهاية سعيدة “