النكتة الأولى :في مقبرة من مقابر العراق المختلطة ( يُدفن فيها السنة والشيعة ) في بغداد جلس اثنين من الأصدقاء يحتسون ( العرق ) العراقي المعروف بالزحلاوي وكل منهما يتكأ على قبر من القبور وكانا من أصحاب النكتة وسرعة البديهية ومن الظرفاء وبعد أن ( صعد المشروب بروسهم ) وهم في غاية النشوة والسكر حدث أن مر كلب بالقرب منهما يتبختر بين القبور غير آبه بوجودهما وعلى بعد خطوات منهما توقف قرب قبر من القبور ورفع رجله وبال على القبر فقال السكران الأول السني المذهب مخاطبا صاحبه الشيعي ضاحكا : أتعلم لما بال الكلب على هذا القبر ؟؟ فأجاب الشيعي مستغربا : لا أعرف لماذا بال الكلب على هذا القبر تحديدا من دون القبور الأخرى . فقال السكران السني : لأن صاحب القبر الذي بال عليه الكلب شيعي المذهب وهو يستحق أن يبول عليه الكلب , فاستدرك السكران الشيعي وقال : صحيح إن القبر قبر شيعي ولكن السبب الحقيقي وراء بول الكلب على قبر الشيعي هو إن الكلب سني المذهب .
الطائفية صارت عنوانا للعراقي وتحولت إلى ثقافة يعتمدها المواطن العراقي أينما توجه ببركات شيوخ الفتنة ورجال الدين الذين كرسوا الطائفية لتقسيم مجتمعنا بحيث تحقق القول التاريخي : ( ياأهل العراق , ما شغب شاغب أو نعب ناعب , أو زفر كاذب إلا كنتم أشياعه وأتباعه وحماته ومُصارره ) , ففي العراق أصبح الانتماء للطائفة يسمو على الانتماء للوطن وأصبح القتال بين الطوائف عنوان يومي يعيشه كل الشعب العراقي بلا استثناء وأصبحت شرعة الغاب بين الطوائف في بلدنا دستور عمل يعتمده الجميع وأصبح شعار ( جماعتنا وجماعتهم ) هو الذي يغطي أسس التعامل بين أفراد الشعب .
لا تطمعن بإنصاف ومرحمةٍ
فشرعة الغابِ أحيوها من الرممِ
الذي تفعله الطائفية في العراق هو عملية احتواء للجريمة وإطلاق العدوان الموجود في نفوس الناس , أنها عملية إبادة تقودها إرادات دولية متصارعة فالسني العراقي يدين بالولاء للسعودية وتركيا والخليج , والشيعي العراقي يدين بالولاء لإيران وحزب الله وهكذا , ولا احد منهما يلتفت للذي يحدث في العراق من كوارث أهونها تفكيك النسيج الاجتماعي وتدمير الروابط المجتمعية بين أبناء الشعب الواحد , والنتيجة النهائية لكل هذا الكره هو الانقراض لأننا نتغذى على بعضنا البعض , ونقتل بعضنا البعض , ونسرق بعضنا البعض .
النكتة الثانية :
في منتصف القرن الماضي حاول بعض الشخصيات الإسلامية في سوريا ولبنان والعراق وإيران من أقامة مصالحة بين السنة والشيعة بإقامة مؤتمر دعوا إليه أهم الشخصيات الإسلامية
من الطوائف المختلفة ( سنة وشيعة ) وسار المؤتمر مثل ما أشتهى مؤسسوه فالسني يعانق الشيعي ويحتضنه والشيعي يقبل السني ويعانقه بأخوة وعند انتهاء المؤتمر خطب كبير علماء السنة مادحا للشيعة وفكرهم وذكر عظمة أئمة أهل البيت وفضلهم على الأمة الإسلامية وإنهم المنهل الذي يٌنهل منه الإسلام الصحيح , ومن بعده أعتلى كبير علماء الشيعة المنبر وانبرى يخطب في مدح الصحابة ويذكرهم كعمادٍ للدين الإسلامي وأنهم اللبنة الأولى لبناء الإسلام وإنهم أسباب النصر وأصحاب الفضل فذكر الخليقة عمر بن الخطاب مادحا له وهو يعدد أعماله وأفضاله على الإسلام ودولته وفي النهاية قال : هذه أعمالُ عمرِ ( كسر الراء في نهاية عمر ) والأصح أن يقول : هذه أعمالُ عمرَ لان لفظة ( عمر ) ممنوعة من الصرف للعلمية والعدل ويجر بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنها على وزن ( فُعل ) وهو معدول لفظا , فصاح رجل الدين السني من مكانه : انك يا شيعي بكسرك حرف الراء في اسم عمر قد حذفت منه صفة العدل فتباً لهكذا مصالحة تتم معكم , متناسيا إن اسم عمر في العربية معدول لفظاً لا فقهاً .
الطائفية سادتي جزء من حياتنا وهي غير مستنكرة إذا كانت تحت السيطرة ولا تؤدي إلى سفك الدماء , ولكن الذي يحدث في العراق إن ( ناس تكتل ناس باسم الطائفة والمكون ) وهذا لا يقبله كل ذو عقل راجح حصيف كما إن الخلاف بين الطوائف الإسلامية يعتمد بالدرجة الأساس على أحداث تاريخية مر عليها أكثر من ألف سنة وصدق معروف الرصافي حينما قال :
نظرنا إلى أمرِ الحاضرين فرابنا
فكيفَ بأمرِ الغابرين نصدقُ
يقول علي بدر في روايته الكافرة : كل الحيوانات يمكنها أن تقتل غيرها من اجل البقاء إلا الإنسان فهو الوحيد الذي يمكنه أن يقتل من اجل إيمانه بفكرة أو من اجل إيمانه بإله . ونحن سادتي نتسافل تحت الحيوانات بالطائفية .
نداء نتوجه به إلى كل ذي لب يعقل في العراق : أنبذوا الطائفية وحاربوها فإنها مقبرة الأوطان وكما قال جبران : ( ويل لأمة مقسمة إلى أجزاء وكل جزء يحسب نفسه أمة ) , ونحن سادتي أمة مقسمة بامتياز بفعل الطائفية البغيضة التي تأكل مجتمعنا العراقي .
يقول ابن القيم : ( أينما وُجدت المصلحة فثمةَ شرعُ الله ) والمصلحة تقتضي أن نتوحد ضد الطائفية وننبذها لأننا سننقرض وسينقرض عراقنا وإن المستفيد الوحيد منها هم ساسة الفساد في المنطقة الغبراء وأذناب الاحتلال ومشروعه البغيض في تقسيم العراق إلى دويلات متناحرة فيما بينها .
يقول ابن الفارض :
سامح أخاك إن خلط منه الإصابة بالغلط
وتجافى عن تعنيفه إن زاغ يوما أو قسط
من ذا الذي ما شاء قط ؟؟ ومن له الحسنى فقط ؟؟؟
فقال الهاتف : محمد الهادي الذي عليه جبريل هبط
فدعوا سادتي عظيم عظماء البشر محمد الهادي يجمعنا وابتعدوا عن كل ما يفرقنا .فنحن وكما قال احد أقطاب الماسون ( متحدين نشكل محيطا , متفرقين نحن قطرات ) , ولتحقيق إصلاح حال الأمة واستتباب أمنها لابد من ترسيخ دعائم الاتحاد والاتفاق .
عند ترديد قسم الرئاسة من قبل الرئيس الإيراني خاتمي أطلق شعار قال أنه سيعتمده في إدارة الدولة في إيران يتلخص بكلمات ثلاثة ( الحكمة , والفضيلة , والمصلحة ) , فهل نقتدي بقول خاتمي فمصلحتنا تقتضي بأن نتوحد ضد إرهاب داعش وفساد الحكومة والفضيلة تستلزم نبذ الطائفية لبناء عراق يكفل العيش الرغيد لكل أبنائه , والحكمة تجعلنا نتقبل الآخر ونتعايش بسلام فيما بيننا .
[email protected]