23 ديسمبر، 2024 1:39 ص

نقطة تحول في توثيق 11 سبتمبر

نقطة تحول في توثيق 11 سبتمبر

يمثل المسلسل الوثائقي “Turning Point “ من انتاج Netflix نقطة تحول، في التدوين الوثائقي لكارثة سياسية وأمنية وعسكرية، بابعادها انسانية شاملة، حلت بالعالم بعد هجمات سبتمبر 2001.

فالمسلسل الموزع على خمسة إجزاء، يحفل بحشد كبير من الشهود الإحياء، ليس على الهجمات المدمرة؛فقط، بل وعلى القرارات المتلاحقة بعدها، كيف صُنعت،من سعى لاستثمار الكارثة، في توسيع النفوذ الأميركي، عالميا، والقضاء على من ترى فيهم إدارة بوش الابن، بتاثير المحافظين الجدد، أعداء ينبغي التخلص منهم .

لعل الميزة الرئيسة للفلم، ان المشاهد يتعرف، دون املاءات، او تعليقات منحازة للمنتج، على رؤية الشهود ، بلا تزويق ومن مصادرها الاصلية:
موظفون كبار في وكالات الأمن الأميركية ، مستشارون حكوميون، رجال قانون، صحفيون، ومحققون وغيرهم.

في حلقات الوثائقي، نكتشف خطورة الصراع والتنافس بين وكالات الأمن الأميركية، خاصة بين” سي اي ايه” وكالة المخابرات المركزية، و” اف بي اي” مكتب التحقيقات الفدرالي، قبل الهجمات، وبعدها.
تنافس، يمكن الاستنتاج من خلال إعترافات مسؤلين سابقين في المؤسستين، انه ساهم بشكل رئيس في افلات منفذي الهجمات من الرقابة الصارمة، وجعلهم يتسربون مثل الزئبق الى الأراضي الأميركية، وتنفيذ عملية ارهابية ، غيرت وجه اميركا وقلبت العالم.
يؤكد Thomas Drake المسؤول الإداري السابق، ان الحكومة السودانية، أبلغت المخابرات الاميركية بنية أسامة بن لادن مغادرة السودان، عائدا الى افغانستان، وكان ذلك بعد ان استتبت الأمور هناك لصالح طالبان. وان الخرطوم كانت مستعدة لتسليمه الى الاميركان.
المفاجأة، ان البيت الأبيض وكذلك الحكومة السعودية ، وبصوت واحد، قالوا دعوه يذهب الى تلك البقاع البعيدة، فلا خطر داهما منه!
وتتوالى الشهادات الثمينة، عن اصرار بوش الابن، ووزير دفاعه رامسفيلد، ونائب الرئيس ديك تشيني، على توجيه البوصلة نحو العراق، والبحث عن ” بذور الرقي في البراز” عن صلة صدام حسين بالقاعدة، ويظهر الثلاثي في إجتماعات، يطالبون برأس العراق، على وقع صدمة الحادي عشر من سبتمبر.
يميط المسلسل اللثام عن اعترفات أعضاء في القاعدة، انتزعت عن طريق التعذيب، وان بوش شخصيا، صاغ التعليمات الخاصة باللجوء الى شتى الوسائل؛ بما فيها الايهام بالغرق، التي تعرض لها المتهم بالتخطيط لهجمات سبتمبر خالد شيخ محمد 183 مرة.
يقول علي صوفان، الذي خدم محققا في الاستخبارات الأميركية، إن الاعترافات الناجمة عن التعذيب، لا يعتد بها،لان المتهم، يقول مايريد معذبوه، وقد يكون فيها الكثير من الكذب والتغليس.
وينوه صوفان، ان لا يمكن الحديث تحت التعذيب الشديد الذي تعرض له معتقلو غوانتانامو ” عن وجود أدلة قاطعة”.
هذه الادلة القاطعة تغيب تماما عن تورط العراق في هجمات سبتمبر، وعن الصلة المزعومة مع ابن لادن. لكن بوش وزمرته ، كانوا وفي كلمات عامة لا أدلة تدعمها يتحدثون عن مسؤولية نظام صدام حسين، توطئة لغزو العراق واحتلاله.
يسال صحفي رامسفيلد وزير الدفاع حقبة بوش الابن بعد احتلال العراق :
قلت ان لدى العراق اسلحة كيمياوية وجرثومية واليوم تقول انكم لم تعثروا عليها كيف ذلك.
فيرد رامسفيلد متضايقا:
لا لم أؤكد ذلك سابقا.
الصحفي :
أكدت وجودها وحددت مدينة تكريت ومدنًا اخرى في جنوب العراق، قلت ان صدام يخفي الاسلحة المحرمة فيها.
يتلعثم الدجال،ويبلع العبارات الغائمة.
ونعلم من الشريط الوثائقي ان إمعة يدعى ” ابن الشيخ الليبي” القي القبض عليه، أدعى وجود صلة بين القاعدة ونظام صدام حسين.
وان إعترافات هذا الليبي تحت التعذيب، وصلت فورا الى مكتب بوش، ليصرح امام صحفيي البيت الابيض، بان لديه ” مصدر مؤكد وموثوق ” عن تورط صدام!
هكذا تصنع القرارات في الدولة العظمى.
يسلط الوثائقي الضوء على برنامج التنصت الذي اطلقوا عليه رمز
‏” stellar wind” في وكالة الأمن القومي الاميركي التي اسسها الرئيس ترومان نهاية اربعينيات القرن الماضي.
ونكتشف ان الحكومة الأميركية تتنصت على كل من يقع في دائرة اجهزتها الإلكترونية المتفوقة، داخل وخارج الاراضي الاميركية، وان للبرنامج قواميس ورموز وشفرات للتعامل وتحليل المكالمات، ورصد مددها، ومضامينها، ومصادرها.
انها رياح النجوم المحلقة، فوق رؤوس البشر. ومع ذلك لم تجنب الولايات المتحدة كارثة سبتمبر التي دفعت شعوب افغانستان والعراق،الملايين من حياة ابنائها الأبرياء ثمنا لعربدة بوش ولأن الذئب الامريكي الجريح أراد الانتقام الطائش .
الوثائقي ” نقطة التحول” شهادات مذهلة على صناعة الخديعة،وتوجيه الصواريخ نحو أهداف لم يصدر عنها اعتداء ضد العم سام، الذي يعلم علم اليقين ان لا أفغانيا ولا عراقيا واحدا، كانوا ضمن طواقم الارهابيين، خاطفي الطائرات التي ضربت رئة نيويورك، برجي التجارة العالمية، ورمز قوة اميركا ، البنتاغون.
وبدلا من البحث عمن يقف وراء الارهابيين بناء على كل المعلومات المتواترة خلال اكثر من ثلاثة عقود في ملاحقة التنظيمات السرية. فان الصراع بين وكالات الأمن الأميركية ، حسم الموقف لصالح شن حربين مدمرتين على من لا ذنب لهم في المصيبة.
في المسلسل يتسائلون، لماذا لا يحاكم الاحياء المعتقلون في غوانتانامو محاكمة علنية اذا كانوا فعلا على صلة بالهجمات.
ياتي الجواب المخادع:
نخشى ان يحّول هؤلاء جلسات المحاكمة العلنية الى منصة للدعاية!
فهل يصدق احد مسلسل الخداع المتواصل هذا؟