23 ديسمبر، 2024 5:12 ص

نقض مجانية التعليم خيانة عظمى

نقض مجانية التعليم خيانة عظمى

ارتفعت في الآونة الأخيرة اصوات نشاز تنادي بمطلب غريب , وهو نقض مجانية التعليم وفرض أجور على التعليم الثانوي والجامعي .
مجانية التعليم ومجانية العلاج في المستشفيات الحكومية هما مكسبان ولدا مع ولادة الدولة العراقية الحديثة عام 1921, أما المكسب الاول وهو مجانية العلاج في المستشفيات الحكومية فقد انقضت عليه الحكومة الحالية وقضت عليه مما ادي الى ارتفاع هائل في اجور الاطباء , وتحول عدد كبير من المضمدين الصحيين الى اطباء بلا شهادات يعالجون كافة الامراض باجور واطئة في المناطق الفقيرة وهي ظاهرة خطيرة جديدة من ظواهر ما بعد الاحتلال ( عفوا ما بعد التحرير ) .
نقابة الاطباء سكتت وكأن الموضوع لا يهمها , هناك مضمدين يجرون عمليات صغرى في عياداتهم تحت انظار النقابة , والسبب هو ارنفاع اجور المستشفيات الحكومية .
لقد كان انقضاض الحكومة الحالية على مجانية العلاج في المستشفيات الحكومية بمثابة جريمة اجتماعية كبرى كان المفروض ان لا تمر مرور الكرام , ولا أعلم لماذا استثني هذا الاجراء من قائمة الاصلاحات التي يطالب بها المتظاهرون .
نجاح الحكومة الحالية في الانقضاض على مجانية العلاج في المؤسسات الطبية الحكومية شجع جهات معينة مشبوهة على المناداة بوأد اهم مكسب من المكاسب التي اقترنت باسم العراق وهو مجانية التعليم .
سيسجل التاريخ أن الديكتاتور والحاكم المستبد الطاغية صدام حسين قد نجح في انجاز حملة حضارية لمكافحة الأمية باعتراف الأمم المتحدة , وسيسجل ايضا ان النظام السياسي الذي جاء بعد الغزو الامريكي سيقوم بالغاء مجانية التعليم .
كثيرون لايفقهون مفهوم الغاء مجانية التعليم , لكن الذي ينادى الآن بفرض اجور في المدارس الحكومية العراقية يعلم جيدا حجم التأثير السلبي الذي سيحدثه هذا الاجراء المشبوه في المجتمع العراقي لو تحقق , لا سمح الله .
صدام حسين كان يقتل كل من يخالفه في الرأي , ثم يأمر بتشكيل محكمة تحكم عليه بالآعدام وهو ميت , هذا الرجل اتخذ كل التدابير لتعليم كل من لا يجيد القراءة والكتابة من النساء والرجال في العراق مجانا, وقد أشادت هيئة الأمم المتحدة بالنجاح الذي حققه مشروع مكافحة الأمية في العراق .
من سخريات القدر ان وزير سابق للتعليم العالي هو من يتبنى هذا المطلب ويدافع عنه في وسائل الاعلام , وكأنه لا يعلم جيدا الضررالكبير الذي سيصيب قطاع التعليم اذا ما صار مقابل
ثمن في اي مرحلة من مراحل التعليم . رحم الله عميد الادب العربي طه حسين وزير المعارف المصري السابق في عهد الملك فاروق , الذي وضع هدفا اساسيا لوزارته وهو جعل التعليم في مصر مجانيا , وقد نجح في ذلك بعد ان عمل المستحيل وبذل جهودا مضنية لتحقيق هذا الهدف النبيل . كان طه حسين يقول ( اريد ان احقق حلمي بجعل كل مصري قادر على ان يتعلم على نفقة الحكومة ) وقد تحقق ذلك الحلم .
أما في العراق فقد تشكلت المملكة العراقية الحديثة عام 1921 وفيها ركنان مجانيان , الاول معالجة المرضى مجانا في المستشفيات الحكومية , والثاني مجانية التعليم في كافة مراحله .
اقولها لكل العراقيين بصراحة , ان فرض اجور على اي مرحلة من مراحل الدراسة في العراق في هذا الظرف الاقتصادي الحرج , سيقلص عدد الدارسين في جميع المراحل الدراسية الى النصف , وهو حلم يسعى الى تحقيقه اعداء العراق الذين سبق لهم ان نفذوا مشروع تصفية البلد من الكفاءآت العلمية والاطباء والعلماء واساتذة الجامعات .
لقد فشل هؤلاء في جعل العراق خال من الكفاءآت العلمية على الرغم من قتل وتهجير الآلاف, وها هم الآن يعملون على تحقيق المرحلة الثانية من المشروع الخطير.
ان جعل التعليم مقابل ثمن في اي مرحلة من مراحل التعليم في العراق هو تخريب ستراتيجي بمثابة الخيانة العظمى , واذا لم يكن هكذا فما هو ؟ .