إغراق العالم بالنفط.. جائحة اقتصادية

إغراق العالم بالنفط.. جائحة اقتصادية

نقطة البدايـــــــة
يوم 12/ نيسان / 2020 عُقد الاجتماع الثاني , بعد اجتماع 9/ نيسان لمنظمة أوبك والدول المتحالفة معها فيما يسمى بـ”أوبك +” المكونة من 23 دولة”، هذا الاجتماع تضمن تخفيض 10 ملايين برميل لمدة شهرين اعتباراً من الشهر اللاحق ، ثم يليه انخفاض بمعدل 8 ملايين برميل يومياً لمدة 6 أشهر أي لنهاية العام الحالي/ 2020، بعدها يتم تقليص الكمية إلى 6 ملايين برميل يومياً اعتباراً من عام 2021 ولغاية شهر نيسان من عام 2022.
إن السبب في التدرج بالتخفيض يعود إلى مجموعة عوامل منها :
1- تباطؤ نمو الاقتصادي العالمي : كان المعدل المتوقع للنمو للعام / 2020 نمو معتدل قدره 2.4 بالمائة إلا أن النمو في الوقت الحالي يقدر بـ ( –1,1) أي آن هنالك انخفاض قدره (- 3.5) بالمائة في النمو الاقتصادي.
2- تناقص الطلب على النفط الخام : بسبب تفشي فيروس كورونا وضعف الحركة التجارية والاقتصادية وتوقف المصانع والمعامل وشركات الطيران…. الخ .
3- هبوط حاد لمعدلات أسعار نفط خام برنت : الذي كان سعره أعلى من 60 دولاراً في عام 2019، واليوم وصل إلى نحو 22 إلى 24 دولاراً للبرميل، فلابد من إن تتخذ منظمة أوبك والدول المتحالفة معها وحتى الدول الأخرى كالولايات المتحدة وكندا وغيرها إجراءات سريعة ومؤثرة بتخفيض كميات كبيرة من معدلات الإنتاج النفطي .

روسيا… المعرقل الأول :
أوبك + روسيا تلك المنظمة التي أسستها السعودية للمصدرين من خارج الأوبك سعت منذ نهاية عام 2016 بتخفيض الإنتاج ‏وذلك للحفاظ على أسعار النفط , وحتى لا يكون هناك نزول سريع بأسعار النفط الخام , إلا إن الروس لم يلتزموا بتخفيض الإنتاج والتصدير وقبلت السعودية تخفيض إنتاجها , ولكن في المقابل الروس لم يخفضوا إنتاجهم على حساب السعودية , والدول الأخرى في الأوبك , وتحملت السعودية والآخرون مقابل استمرار الاتفاق , ولكن حينما أرادت تجديد الاتفاق في آذار/ 2020رفض الروس , وقالوا ( سنبيع كما نشاء) , كرهاً بالأمريكان الذين فرضوا عقوبات اقتصادية على روسيا من ضمنها شركات النفط الروسية منذ عام 2014 نتيجة تدخلها في أوكرانيا وسوريا واحتلالها شبه جزيرة القرم ,وتدخلها في الانتخابات الأمريكية عام 2016 .. لذلك قررت روسيا عدم تخفيض الإنتاج , لأنه يخدم النفط الصخري الأمريكي , فكانت حرباً اقتصادية – سياسية بامتياز من أجل تدمير شركات النفط الصخري الأمريكية المدينة أساساً للبنوك الأمريكية بمبلغ أكثر من 86 مليار دولار, والتي أرتفع أنتاجها خلال السنوات الست الماضية من 400 ألف برميل يومياً إلى 4 مليون برميل يومياً, مما جعل أمريكا أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم منذ عام 2017.
المكسيك : المعرقل الثاني :
قامت الحكومة المكسيكية بشراء بوليصة تأمين ضد انخفاض أسعار النفط بمبلغ مليار دولار تقريباً , وهذا التأمين يضمن لها أن تحصل على فروق سعر 49 دولارا للبرميل وأي سعر في السوق أقل منه , و قد يكون شح البنزين هو السبب الأخر ! فالمكسيك تعاني من شح في إمدادات البنزين، وزادت وارداتها من الولايات المتحدة بشكل كبير بنسبة 77 بالمائة بين 2013 و 2019 , وسبب شح البنزين هو المشاكل الفنية في المصافي التي عفي عليها الزمن من جهة، وسرقة البنزين من الأنابيب من قبل عصابات قوية ومشهور قريبة في قوتها من عصابات تهريب المخدرات.
ونظرا لانخفاض الطلب العالمي على النفط، انخفض الطلب على صادرات النفط المكسيكية التي بلغت 1.2 مليون برميل يومياً، قبل ظهور آثار أزمة فيروس كورونا. فقرر الرئيس المكسيكي تحويل 400 ألف برميل يومياً من صادرات النفط الخام إلى المصافي المكسيكية لزيادة إنتاج البنزين , وبذلك ضربت عصفورين بحجر واحد :
1- القضاء على أزمة شح البنزين.
2- زيادة إيرادات الحكومة بسبب الضرائب العالية على البنزين, وأن أي تخفيض للإنتاج سيأتي إما على حساب ما تبقى من صادرات النفط الخام، أو يأتي على حساب البنزين والواردات من ضرائب البنزين، إضافة إلى تشغيل المصافي المكسيكية بطاقتها القصوى .
المكسيك كان يفترض أن تلتزم بتخفيض معدل 400 إلف برميل يومياً، إلا أنها اعترضت نتيجة التزامات وظروف معينة، وبعد مفاوضات طويلة ومباحثات على أعلى المستويات التزمت بتخفيض 100 إلف برميل يومياً فقط ,على أن تقوم الشركات النفطية في أمريكا بإجراء تخفيضاً طوعياً على الإنتاج بمقدار 300 إلف برميل يومياً وهذا ما سيغطي إلـ 400 إلف برميل المطلوبة من المكسيك.
العراق الرابح – الخاسر :
إن الإنتاج الإجمالي للعراق من النفط الخام في الوقت الحاضر هو 4 مليون و600 إلف برميل يومياً من ضمنها حصة إقليم كردستان البالغة 500 ألف برميل يومياً .. المُصدر منه ٣ مليون و 800 إلف برميل يومياً, وكانت حصة العراق من تخفيض الإنتاج هو مليون وإحدى و ستون إلف برميل باليوم, وهناك جزء من إنتاج النفط يذهب إلى الاستهلاك المحلي (800) ألف برميل يومياً مثل التكرير واستخدامه في النقل وتوليد الطاقة الكهربائية.
نأتي لدراسة سيناريوهات افتراضية لتوضيح تأثير تقليل الإنتاج أو النفط المصدر:- السيناريو الأول : في حال عدم التخفيض يكون التصدير هو ٣.٨٠٠ مليون برميل بسعر20 دولار للبرميل الواحد , فان العوائد النفطية للعراق تكون
3,800مليون برميل×٢٠دولار= ٧٦ مليون دولار يومياً
السيناريو الثاني : أن التخفيض تم وإن سعر البرميل أرتفع إلى ٢٥ دولار, فأن العائد النفطي للعراق سوف يكون بالنتيجة النهائية هو كالأتي :
٢.٨٠0 مليون برميل ×25دولار=70مليون دولار, إي خسرنا ستة ملايين دولار, وربحنا مليون برميل بالاحتياط. السيناريو الثالث :
في حالة تم التخفيض بمقدار مليون برميل ,تكون كمية النفط المصدر هو 2,800 مليون وسعر البرميل يرتفع إلى ٣٠ دولار, فأن كمية العوائد النفطية هي
2,800 مليون برميل ×٣٠دولار =٨٤ مليون دولار يومياً, إي إن الفارق هو ٨ مليون دولار يومياً, إي ربحنا ٨ مليون باليوم, مع ربح أخر هو حفاظنا على مليون برميل أيضاً…. الخلاصة هي أن التخفيض هو من صالح العراق.
مع تلك المكاسب التي يحصل عليها العراق من تخفيض أنتاجه النفطي , تبرز لديه مشاكل كثيرة نتيجة ذلك التخفيض منها :-
1- إن العراق يدفع لشركات النفط الأجنبية المستثمرة في حقوله النفطية حوالي ثلاثة مليارات دولار كل ثلاثة أشهر لاستخراج النفط الخام, ومع انخفاض الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ 18 عاماً، قامت الحكومة بخفض التكاليف وتأخير الدفعات المالية المستحقة عليها ,وخفض ميزانيات العمل بنسبة 30 بالمائة, إنه “مع انخفاض الأسعار، ستضطر الحكومة إلى استخدام كل نفطها الخام لسداد الديون المتراكمة للشركات النفطية الأجنبية المستثمرة ، ولن يكون لديها ما يكفي لبيعه.
2- يعتمد العراق على عائدات النفط في تأمين أكثر من 90 بالمائة من موازنته العامة البالغة 135 مليار دولار, ولا يزال يعتمد في مسودة موازنته للعام 2020 على سعر متوقع للنفط قدره 56 دولاراً للبرميل، أي ما يعادل ثلث السعر الحالي,مما سيولد لديه عجز قد يصل إلى 40 مليار دولار ( 48 تريليون دينار ).وبالتالي يكون مضطراً بالرجوع إلى خزينة ألدولاري المتراكم البالغ 65 مليار دولار لسد العجز.
3- أدى تفشي فيروس كورونا المستجد إلى عرقلة عملية تناوب العمال الأجانب وخاصة الصينيين العاملين في حقول النفط العراقية، نتيجة إغلاق العراق مطاراته وفرضه حظراً كاملاً للتجول في عموم البلاد حتى 19 نيسان على الأقل، مع توقع التمديد, ما يهدد بانخفاض الإنتاج المعتاد البالغ 4,6 ملايين برميل يومياً.
4- دول العالم المستهلكة قامت بتخزين النفط الرخيص. لذلك حتى لو لم نشعر به الآن، فإن المشكلة الحقيقية ستأتي في الأشهر المقبلة عندما لا يشتري أحد”.
إن العراق واجه ظروفاً صعبة في شهر نيسان / 2020 بشان تسويق الكميات المباعة أصلاً إلى الشركات النفطية الأجنبية المتعاقدة معه لا سيما الهندية ,بسبب حظر التجوال وانكماش الحركة التجارية والاقتصادية داخل الهند جعلت عدد من الشركات الهندية تعزف عن رفع الكميات النفطية المتعاقدة عليها مع العراق, والذي وصل سعره إلى 19 دولار للبرميل الواحد.
السعودية الرابح الأول والأخير :
ألان تبين وبشكل واضح دوافع سياسة الإغراق السعودي لأسواق البترول العالمية , فقد رضخت وأذعنت روسيا بعد عناد طويل ,حتى أمريكا ترغب بالمساهمة في خفض الإنتاج لرفع الأسعار من أجل إنقاذ شركات النفط الصخري .. ألان فقط وحتى في المستقبل لن تفكر روسيا في سياسة الدلع والاستعلاء , وسوف تعرف إن النظام العالمي اختلف وتغير عما كان عليه سابقاً , وأن اقتصاد السعودية لن يتأثر كثيراً بالعكس سوف ينهض على المدى القريب والبعيد لأسباب كثيرة منها :-
1- احتياجات السوق العالمي بالوضع الطبيعي ١٠٠ مليون برميل يومياً ونقول مع الكورنا يصبح ٥٠ مليون برميل , لأن جائحة كرونا حاله استثنائية لن تدوم .
2- خلال عام ٢٠٢١ سوف يرتفع معدل الإنتاج النفطي السعودي من ٧ مليون قبل ٥ آذار ٢٠٢٠ إلى ١٤ مليون .. هذه الخطوة كفيلة بسحب كبرى الأسواق العالمية المستهلكة للنفط , وبهذا لن تتأثر الموازنة السعودية , لأنها أي الموازنة تعتمد بنسبة 65 بالمائة على إنتاج ٧ ملايين بسعر ٦٠ دولار, أما ألان أصبح الإنتاج ضعف السابق ما يعادل ١٤ مليون بسعر ٣٠ دولار , وهي كتكاليف وعوائد لم تتغير .
3- تعويض أمريكا بالنفط الرخيص الثمن نتيجة إفلاس شركات النفط الصخري الأمريكية , مقابل تشديد العقوبات على إيران وروسيا وعدم السماح لهما بالتصدير وفق ما يشتهون والتشديد عليهم , ورفع الطاقة الإنتاجية إلى5, 1٢ مليون برميل يومياً , وبالتالي السيطرة على السوق الأمريكي ومن قبله السوق الصيني والهندي .
4- إن السعودية كانت تصدر ما يقارب ٧ مليون برميل وتستهلك ٣ مليون بمعنى متوسط يومي يقرب من ٥٠0 مليون دولار،، الآن تصدر وتستهلك ما يصل إلى ١٢.٣ مليون برميل .. لو فرضنا سعر ٣٠ دولار للبرميل هذا يعني إن متوسط العائد اليومي يصل إلى ٣٧٠ مليون دولار، بمعنى آن هناك هبوط لكن ليس قوي ولا مؤثر جداً بل يقارب الـ ٢٥ بالمائة تراجع في العوائد , وهذه يمكن استيعابها لو زاد الإنتاج إلى ١٣ مليون برميل , إضافة إلى الاعتماد على الغاز في الداخل لزيادة تصدير النفط ، وأعتقد أسعار ٣٨ دولار ستعيدهم إلى حالة التعادل السابقة ولن يحتاجوا للوصول إلى ٦٠ دولار التي تشجع على المنافسة مع النفط الصخري ، القرار مدروس وأعتقد أنه بالاتفاق مع الروس , والسوق سيستوعب الزيادة بطرد النفط الصخري وعودة الحياة لمجاريها بعد نهاية وباء كورونا.
الاستنتاجات :
إن السعودية ضربت ثلاثة عصافير بحجرة واحدة … إفلاس شركات النفط الصخري بسبب ديون مطلوبة السداد عليها من البنوك الأمريكية تقدر بـ 86 مليار دولار, كذلك السعودية سوف تأخذ الحصة السوقية من الروس خاصة السوق الأوربي لأن نفطها يباع بأرخص من النفط الروسي, وبالتالي سوف ترضخ روسيا و تجلس على طاولة المفاوضات و تضطر تقلص إنتاجها مثلما تريد السعودية, بالإضافة إلى وجود أكبر مصفاة تكرير في أمريكا مملوكة إلى السعودية يصلها النفط الخام بأسعار مجزية .
إن ارامكو السعودية لم تعد تعتمد على بيع النفط الخام فقط , وإنما هي تصفي الخام في اليابان والصين وكوريا والهند وأمريكا و اندنوسيا , وتستحوذ على مصافي كثيرة وعملاقة في جميع أنحاء العالم وأخرها سابك السعودية , وهي اليوم تشتري وتنقب عن النفط في أغلب دول العالم , والبرميل بعد التصفية يساوي ١٢ضعفاً من قيمة البرميل الخام قبل طرحه في السوق , فقد كانت تصفي ٦مليون برميل يومياً , وبعد الطرح تسعى إلى تصفية ٨ مليون برميل يومياً.
الخلاصة : لا احد يستطيع أن يلعب مع السعودية في السوق النفطي لأنها لاعب قوي أكتسب مهاراته الفنية من مدربه الأجنبي مذ نعومة أظافره .

أحدث المقالات

أحدث المقالات